في فيلم city of god لفرناندو موراليس المنتج 2002 تكتشف سحر الكاميرا وهي تتحرك في الفضاءات المفتوحة بحرية، مستندة على رؤية إخراجية متطرفة، حيث الصخب والضجيج والجريمة المسيطرة على كل شيء في أحياء الصفيح والتهميش على أطراف مدينة ريودي جانيرو.. هناك يتجول الأطفال المشردون بمسدساتهم، وتفرض القوة واقعها الطاحن على البؤساء الذين حوصروا بين زوايا الفقر وغياب القانون، فتفرض العصابات شروطها الصعبة على كل شيء يتنفس، لكن وسط هذا الحقل المجنون من القتل والوشايات يقرر البطل الانتصار لهوايته الغريبة، وسط مجتمع لا يعرف سوى التصفية، فيبقى وفيا للكاميرا الفوتوجرافية التي اختارها رفيقا وصاحبا في أحياء يفخر فتيانها بالأسلحة والتمرد والبطالة.
هناك تتحرك الكاميرا الفريدة لتصنع عملا شديد الإتقان، حيث التفاصيل والدقة. وبقدر ما يتعاطف العمل مع المجرمين، باعتبارهم ضحايا، فإنه يدين السلطة ويوجه إليها الاتهام، باعتبارها مسؤولة مسؤولية تامة عن كل هذا الجنون والتوحش البشري الذي يغذيه فساد أجهزتها ورجالها، لكنه في المقابل - وكما هي مهمة الفن الأساسية - يضيء جمالات موحية بالأمل والحياة تظهر في العلاقات الإنسانية التي تعبر الأحداث، مثلما يكشف أقصى درجات التوحش البشري، حيث رغبات الانتقام العارمة التي لا يقف في وجهها شيء، والقادرة على تحويل البشر إلى مجرد أدوات صماء للقتل والفناء.
الفيلم يأخذ ثلاث ساعات من الزمن، لكنه تحفة سينمائية حقيقية.. مفاجئة لكل باحث عن زوايا دهشة في هذا العالم الواسع، مؤازرة بفهم عميق لمعنى الفن السينمائي بإمكانات وتقنيات عادية، وبالتالي أنموذج حقيقي لسينما المهمشين -إن جازت التسمية- وفق وعي وتجربة لا اشتراطات سوق.. ومن هنا فإن نفاد الفيلم والصدى الذي تحقق له دليل على أن الإبداع دائما قادر على عبور الثقافات والجغرافيا.. في الأخير ينقل بطل الفيلم للعالم ما يحدث في مدينته الهائلة التفاصيل والقسوة عبر كاميرته الفوتوجرافية وسط صراعات ملحمية يندفع الجميع فيها للموت، لكن موهبة البطل وارتباطه بما يحب ينقذانه ويصنعان له قصة مختلفة تشبهه وتشبه مدينته.