في يوم جميل يبشر بالخير، وقعت عيني على كتاب صادر عن دارة الملك عبدالعزيز، إذ لفت نظري عنوان أحد إصداراتهم، وهو: "دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي"، والكتاب عبارة عن رسالة دكتوراة لـ "د.ناتانادي لونج باس"، وترجمه إلى العربية: د.عبدالله بن إبراهيم العسكر.

وجدته فكأنني وقعت على كنز، فلطالما أثارت فضولي شخصية الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولطالما كنت متأكدة أنها من الشخصيات التي ظلمها التاريخ وشوهها، ولم يقف عند هذا الحد، بل ألصق بها أبشع تهم الزمن الحديث، ألا وهو الإرهاب، الذي بسببه ظهر مصطلح "الوهابيون"، رغم يقيني من أنه مصطلح سياسي، إلا أنه أثر على صورة الشيخ في أعين العامة، وأنا أقصد ـ هنا ـ من لا يقتربون من أي شيء يمت للدين بصلة قريبة أو بعيدة، وما زالوا يرزحون تحت ضاغط الفكر الضيق، ويمتنعون عن المناقشة، مما زادهم جهلا وانغلاقا، وانغماسا في الحمق وفقدان العقول المستنيرة.

لا أخفيكم أن أحد أهم أسباب اهتمامي بشخصية الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أن أغلب من يتحدثون بلسانه لا يعلمون عن سيرته وحياته شيئا، جرب ـ عزيزي القارئ ـ أن تقول لهم: "إنه لم يتقبل وثوق جميع الأحاديث النبوية الواردة في الصحاح"، أو أن تقول: "إن الصوفيين لم يذكروا إلا نادرا في مؤلفات محمد بن عبدالوهاب، وإن من مصادره، ابن تيمة وابن قدامة كانا فقهيين صوفيين وحنبليين"، نعم هنالك فقهاء حنابلة صوفيون أيضا!

لن تكن ردة فعلهم جيدة، بل إن من الممكن أن يصفوك بالجنون، لذلك فإن من المهم جدا إتاحة الفرصة للبحث والتحليل والإقناع، وليس اجترار الأقوال وحفظها عن ظهر قلب، والتمسك بها دون السماح للعقل بأن يتساءل ويتعرف على كل ما يثير التساؤل فيها والاستفهام عنها.

المطلوب هنا البحث في الفكر الديني، وطرح الأسئلة التي تنير العقل، وتنمي الوعي، لئلا يتحول الإيمان إلى نصوص تحفظ دون أي فهم أو استيعاب لهدفها ومضمونها.

الدين وسيلة تعبير عن الإيمان، والطريق المؤدي إلى الله، وتكمن أهميته في إرسال رسالة نبيلة هدفها إرشاد الإنسان عقليا وخلقيا ونفسيا وروحيا، لذلك يجب أن نستعد لكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات واضحة، غير مبهمة أو مخدِّرة. إضافة إلى اتصافها باحترام العقول، فلا يصح بعدُ أن نقبل بأن المرأة خلقت من ضلع الرجل بالمعنى الحرفي للكلمة، إلى ما هنالك من رموز استخدمها الإنسان؛ كي لا يقع العقل في سجن غير محدود، وفي حدود الحروف وتحجر النّص؛ لأن الله ـ عز وجل ـ قادر على فهم الإنسان بكل مراحله المتطورة، وبالتالي فقد دعاه إلى التبصر، وعليه فهو العليم بعقله الحر الذي وهبه إياه.

ختاما، أود أن أذكركم بقول ابن رشد: "لا يمكن لله أن يهبنا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها".