نجاح النتاج الأدبي الإبداعي مرهون بمدى قدرته على مقاربة الاحتياج الإنساني، إذ كل قراءة مغرضة وتبحث عن إشباع ما، ولهذا تتواتر الأسئلة المعتادة: لمن يكتب المبدع؟ وهل يضع المتلقيَ في ذهنه لحظة الكتابة؟ وإذا كان المبدع يكتب للفنّ لا لشيء آخر فما حاجته إلى حضور الناس وإعجابهم أو التفافهم حوله؟ بالأمس وبعد حضور أمسية شعرية لشعراء شباب، سألت شاعرا مخضرما عمّا راق له فقال دون تردد: لا شيء، عدت بخفي حنين، وفي هذه الإجابة الحزينة اليائسة ما ينبئ عن أن معايير التلقي تختلف من جيل إلى جيل، وبحسب تطور تقانة الكتابة الإبداعية واتساقها مع تنامي المعطى الثقافي شكلا ومضمونا، يقودنا هذا إلى مفارقة ملحوظة بين الرواية والمسرح/الروائي والمسرحي كذلك، الرواية في المشهد السعودي تحضر قوية الأثر كاشفة وجريئة وغير عابئة بكثير من محظورات السائد الاجتماعي بما يحويه من احترازات اللفظ أو الدلالة أو التأويل، أما المسرح فيتوارى خجلا، يربت و"يطبطب" ويومئ بطرف حزين أو ينفجر ضاحكا ضحكة العته دون حدود، الرواية تمشي الخيلاء وتخترق الصفوف متباهية بتجاوزها التابوهات، وقفزها فوق النمطي، وإضاءتها الزوايا المظلمة في البنية المجتمعية فيما يبقى المسرح حائما حول الحمى ولا يقع فيه يحتمي خلف السرد المحجّب، والحوار المرمّز، وتأثيرات السينوجرافيا الهائمة المستندة إلى مقدرة المتلقي على التخيل والاندماج في تفاصيل العرض، أيا كانت قضية النص أو فكرته المطروحة.
والواقع أن الروائي حين يكتب فهو يسبك نتاجه في حالة تفرد وانعزال، ليُقرأ – كذلك- في الحالة نفسها وببعض أدوات اللحظة المنعتقة التي يفترض أن قارئه سيعيشها في الأركان الدافئة الهادئة، أما المسرحي فإن حضوره مزيج من الإثارة والضجيج والعرض الدائم على رؤوس الأشهاد، وفي هذا - كما يُظنّ- محاذير كثيرة.
وبين هذا وذاك تكمن حقيقة واحدة مفادها أن صدق الفكرة ومستوى القناعة بها ومدى اعتناق المبدع لها يفضي إلى حضور مختلف وتفرّد في التناول واستكناه جليّ للأثر، كما حدث ويحدث لنا بعد قراءة أو مشاهدة بعض الأعمال حيث ما تزال حاضرة في أنفسنا، وقادرة على إمدادنا بمزيد من الرؤى والقراءات لنفهم عالمنا وما يحيط بنا وما يختلج في ذواتنا، أولسنا نقرأ الثبيتي ولا نمله، ونشاهد شقائق النعمان ولا نطيق فراقها، ونعيش خان الخليلي فلا نغادره؟ هناك يكون الفرق ولا شيء سواه.