تصحيح أوضاع العمالة من أهم القرارات التي اتخذتها الدولة، وذلك للمردوات الإيجابية العظيمة على الوطن والمواطنين. لا يوجد في العالم دولة تكون فيها إقامة الوافدين بذلك الشكل الفوضوي العشوائي الذي عانت منه في السابق بلادنا ومواطنونا واقتصادنا وأمننا ومجتمعنا. لا يوجد في بلاد العالم وافدون غير نظاميين بهذا الكم الهائل وتلك الأعداد الضخمة. لذا كان لا بد من هذا القرار الحكيم الشجاع الذي يشكل نظاماً مستمراً يتعرض للعقوبة كل من يخالفه بعكس من يعتقد أنها حملة مؤقتة لفترة زمنية قصيرة ثم ما تلبث أن تتوقف، الأمر ليس كذلك والمؤمل من المعنيين من مواطنين ووافدين أن يعوا ذلك تمام الوعي. وأن يعوا أننا بصدد نظام جديد، ينظم وجود العمالة ويقضي على الفوضى المستشرية ردحا من الزمن. وما نراه ونسمعه من امتعاض البعض شيء طبيعي لعدة أسباب، أولها أن هناك منتفعين على حساب تلك العمالة وعلى حساب الوطن وعلى حساب شبابه، هذا الامتعاض يصدر من شريحة من المواطنين تتسم بالأنانية و"ضعف النفس"، بعض هؤلاء يبتز العمالة غير النظامية ويعطيها غطاءً نظامياً ويدفعها إلى الشارع كعمالة سائبة مقابل مبلغ من المال يقبضه آخر الشهر من عرق ذلك العامل المسكين الذي جنى عليه مرتين: مرة حين أبقاه بشكل غير نظامي كعامل سائب، والأخرى حين أكل بعض عرق جبينه.. والسبب الثاني لامتعاض البعض من قرار تصحيح أوضاع العمالة: أن البعض لم يأخذ قرار الدولة مأخذ الجد، ولهذا تلكأ في تصحيح وضع عمالته بالرغم من الفرصة التي أعطيت له وتمديدها. واصطدم بالحزم في تنفيذ القرار فأزبد وأرعد. وتحسب للدولة وقفتها الحازمة بتكريس هذا القرار وتطبيق العقوبة على المخالفين.

هناك قاعدة ذهبية تقول: "التطوير يتطلب المواجهة".. فكل من لم يستطع المواجهه لا يمكن له أن يطور، لأن التطوير يصطدم بعقبات كثيرة منها أعداؤه المنتفعون ببقاء الأوضاع كما هي وعدم قبول التطوير الذي يهدد مصالحهم. ومن هنا جاءت هذه القاعدة الذهبية كشرط أساسي للتطوير. إن تصحيح أوضاع العمالة في بلادنا في صالح الوطن على المستويين القريب والبعيد. فعلى المستوى القريب ستتخلص البلاد من عمالة غير نظامية لها أبعاد أمنية سلبية.. فكيف يمكن التحكم في سلوك وافد متسلل بدون هوية أو وافد لا يعمل لدى كفيله، كما يرى الاقتصاديون أن للتصحيح مردودا اقتصاديا كبيرا على البلاد. فيقول الاقتصادي المرموق الدكتور عبدالله دحلان في مقال له في "الوطن" السبت 9-11-2013: "العمالة الأجنبية النظامية في المملكة تقوم بتحويل 28.5 مليار دولار سنوياً خارج الوطن، وذلك حسب إحصائيات الأعوام الثلاثة الماضية، حيث حصلت المملكة على المرتبة الثالثة عالمياً في عام 2012، بين الدول المصدرة للتحويلات النقدية وفقاً لتقرير البنك الدولي الذي يتوقع أن تصل التحويلات النقدية للعمالة الأجنبية في المملكة إلى 54,5 مليار دولار في عام 2015، وهذا سيسهم في تنمية الدول المرسلة للعمالة ويسهم في الحد من الازدهار الاقتصادي للمجتمع في المملكة.. ويعد الاقتصاد السعودي أكثر وأهم الاقتصادات الجاذبة للعمالة الوافدة من مختلف أنحاء العالم؛ حيث التنمية ومشاريعها في مختلف المجالات، كما يعد القطاع الخاص أكبر حاضن لهذه العمالة، إذ يعمل فيه 90% من العمالة الوافدة، نظراً لعدم إقبال السعوديين على بعض وظائفه التنفيذية أو الأقل منها، ولرخص هذه العمالة مقارنة بالعمالة السعودية، بالإضافة إلى مزاولتها العمل في ظل جميع ظروف العمل القاسية، والأجور المتدنية وعدم الالتزام بساعات عمل محددة حسب نظام العمل، ولهذا نجد أن العمالة الوافدة تشغل 42% من إجمالي الوظائف المتاحة في القطاع الخاص، ويصل حجم الاقتصاد الخفي في السعودية إلى 330 مليار ريال في العام الحالي، ويُقصد بالاقتصاد الخفي (الاقتصاد غير النظامي)، ومنه التستر وهو الأغلب ثم العمالة غير النظامية وغيرهما". هذه نتائج اقتصادية وخيمة يقولها خبير اقتصادي. ونسأل المتذمرين: هل تقبلون هذه النتائج على بلادكم؟

يتوقع الاقتصاديون أيضا نتائج إيجابية لقرار التصحيح، ومنها أن يقوم السعوديون بإدارة المنشآت الصغيرة التي تشكل نسبة كبيرة من الأعمال في البلاد. ويتحولون من متسترين إلى أصحاب أعمال صغيرة يتوقع لبعضها أن تنمو لتصبح أعمالا متوسطة وبعضها سيكبر، هكذا يقول الاقتصاديون. قرار التصحيح سيعود بالخير على الوطن. متأكدون من ذلك، والمتذمرون تعميهم أنانيتهم من رؤية الحق وهذا شأنهم. لكن الذين يقدمون مصالح الوطن على مصالحهم الضيقة يرون في هذا القرار حكمة بالغة وفوائد كبيرة وحلا للكثير من المشكلات التي عانى منها الوطن كثيراً.

خلاصة القول؛ أن قرار التصحيح ليس حملة مؤقتة بل نظام سيستمر، وسيأخذ على أيدي العابثين المستهترين بأمن واقتصاد ومجتمع هذه البلاد. نقدر لكل وافد وجوده بيننا، فهو يعيننا بعد الله على تطوير بلادنا، لكننا في ذات الوقت نطلب من كل وافد أن يحترم نظام بلادنا وأن يكون وجوده وإقامته وفق النظام تماماً مثل كل بلاد العالم، كما أننا في بلادنا لا نستغني عن إخواننا وأصدقائنا تماماً مثل ما أنهم لا يستغنون عنا. مطلبنا في غاية السهولة: احترام نظام بلادنا مثلما نحترم أنظمة البلاد الأخرى التي لا ندخلها إلا وفق أنظمتها. هذا مطلب شرعي لا يمكن لأحد التذمر منه، ومن يفعل ذلك فتلك مشكلته لا مشكلتنا.