قبل أيام قليلة، امتلأت وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي ـ وما زالت ـ بكثير من الإشاعات والأقاويل والأخبار الكاذبة، التي لا تمت إلى واقع المشهد السعودي الحالي بصلة، فيما يخص عملية التصحيح التي تقوم بها الدولة، الأمر الذي أدى إلى إرباك الشارع، ورفع منسوب العداء تجاه فئة لم تكن تنطبق عليها شروط العمل في المملكة، قامت ببعض الاستفزازات، وأسهم انتشار بعض مقاطع الميديا "الفيديوية" التي يظهر فيها بعض الشبان وهم يطاردون ويضربون بعض المخالفين من الإثيوبيين "رجالا ونساء" في أحد أحياء الرياض، ويدهمون الشقق، في عكس صورة سلبية عن مجتمع ليست تلك التصرفات المشينة من شيمه ولا من قيمه في شيء، ورأينا فيها ما لا يسر في الواقع، نتيجة لاجتهادات فردية، وقد كان حريا بهم أن يفسحوا المجال للجهات المختصة للقيام بواجبها، وهي الجهات المعنية بذلك في الأصل.

طالعت الاثنين الفائت بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" على صفحة الصديق العزيز والإعلامي المعروف "عبدالعزيز الشريف" منشورا غاضبا مما حدث، أورد لكم جزءا منه بتصرف إذ يقول: "هل هناك تصريح رسمي من وزارة الداخلية، أو أي جهة رسمية أخرى يوضح حقيقة أمر ما يتداوله الناس في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، عن حقيقة الصورة والمظاهرات وووو؟! بدلا من ترك الناس فريسة للإشاعات. نحن مع تطبيق الأنظمة الجديدة من قبل الجهات المختصة بشكل حضاري، وكم نرى من صور جميلة في بلدان العالم المتحضر مشابهة لحال العمالة المجهولة، ولم نر مواطنا في هذه البلدان يطارد إنسانا في الشوارع والأزقة! رأيت سيارات وفيها من يتطاولون على العمالة الوافدة التي تعرف أن هذا الشخص لا يمثل جهة رسمية، وأنه لا يمثل إلا نفسه، لذلك يقوم هذا العامل المسكين بالدفاع عن نفسه، هذه العمالة يجب أن نقدر دورها في التنمية الوطنية، ولهذا يجب محاسبة كل إنسان جاهل يتدخل في عمل الجهات المختصة".

أمنيا ونظاميا من غير المقبول أن يبادر بعض أفراد المجتمع مهرولين، يبثون الإشاعات هنا وهناك، أو يمارسون أفعالا غير لائقة أو يطبقون أحكاما ليست حتى أحكاما قضائية كاملة القانونية، ويؤزمون المجتمع بأكمله من خلال نشرهم الأكاذيب، مستخدمين مصطلحات مثل: "مظاهرات، ومواجهات عنيفة، وحرب شوارع، وأعمال نهب وتخريب"، وهي التي لا تمثل واقع ما يحدث؛ لأنهم بذلك يصورون انتشار تلك الحوادث على امتداد الوطن بأكمله، غير مدركين أن ذلك يسيء إلى كل المنظومة الاجتماعية وطبيعتها وتركيبتها وأخلاقيتها ودينها وعرفها، وهو في الواقع عمل غير مسؤول، ولا يعبر عن وعي حقيقي ينطلق من إحساس بالمسؤولية، ويوفر فرصا سانحة لكثير من المتربصين بالمملكة حكومة وشعبا، ليقيموا الدنيا ولا يقعدوها لوصف المجتمع السعودي بالعنصرية والتخلف والعنف والعدوانية، ووصف الحكومة السعودية بما يريدون من أوصاف بشعة، وهذا ما يخالف واقع وحقيقة المجتمع السعودي ويومياته، يحدث هذا الأمر بعشوائية غير مرحب بها، وكأن الجهات المختصة لم تضع في حساباتها المسبقة، إمكانية حدوث مثل هذه التصرفات الخارجة عن أقل مراتب الوعي!

ومهما كان من الأمر، فليس من حق مواطن الاعتداء على مواطن آخر أو مقيم أو حتى مخالف؛ لأن ذلك سيحول الأمر إلى قضية جنائية، والقانون والقائمون عليه هنا هم أسياد الموقف وليس أحد آخر، ولا أتصور أن القيام بمثل هذه الأعمال هو التعبير المناسب عن الوطنية والمواطنة والإخلاص للوطن، لكن تقديم الصورة الإنسانية الحضارية هو ما سيعزز من القيمة الوطنية ويحفظ راية الوطن عالية، أيها السادة نحن جزء صغير من منظومة بشرية هائلة ولسنا وحدنا في هذا العالم.