أكّدت الخطة الخمسية التاسعة للتنمية في المملكة العربية السعودية أن هناك احتياجا إلى مليون وحدة سكنية في مختلف أنحاء المملكة. وأوضحت أن هناك خططا لتمليك 80% من المواطنين منازل لائقة بحلول عام 1448هـ, وهو توجه في التخطيط السليم تشكر عليه وزارة التخطيط برغم تضارب إحصائياتها وأرقامها أحياناً, حيث نشرت إحصائياتها السابقة أن 60% من المواطنين السعوديين لا يملكون منازل وفي نتائج البحث الديموغرافي في عام 1428هـ أكدت أن 35% من المواطنين لا يمتلكون منازل و5% يسكنون في منازل توفّرها القطاعات الحكومية والخاصة و60% يمتلكون وحداتهم الخاصة. معلومات وأرقام ونسب متفاوتة وبصرف النظر عن الإحصائيات وبصرف النظر عن الملكيات فإنّ الهدف الرئيس هو إيجاد السكن اللائق لكل مواطن ومقيم لأن الملكية الخاصة للمنازل قد يصعب توفيرها لكل الشعب وإن كانت ليست بالمستحيلة, وإنما الأهم - في وجهة نظري - هو توفير السكن اللائق بالسعر المناسب الذي يتناسب مع دخل الفرد والأسرة بنسب متفاوتة آخذاً في الاعتبار ذوي الدخل المحدود والأقل منهم.
وفي الحقيقة لقد تأخرنا كثيراً في توفير السكن اللائق المناسب لأبناء هذا الوطن والأسباب عديدة والشماعات التي تعلق عليها الأسباب أيضاً كثيرة، فالإسكان بصرف النظر ملكية أو إيجار أو هبة هو حق لكل مواطن ومقيم وقضية أو أزمة الإسكان بدأت تتفاقم في السنوات الأخيرة، وقد يكون سبب ذلك ارتفاع تكلفة تملك الأراضي وارتفاع تكاليف البناء نظراً لارتفاع تكلفة المكونات الأساسية للبناء وانعدام البنية الأساسية لبعض مواقع البناء, إن هذه الأسباب تعتبر من أهم المعوقات ثم تعقبها أسباب تأخر نظام الرهن العقاري والتمويل العقاري وتقاعس البنوك السعودية من تمويل المشاريع العقارية الفردية. وعجز البنك العقاري في تلبية طلبات المواطنين، جميعها أسباب معروفة سبق عرضها ومناقشتها في العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل وغيرها. إلا أن روتينية العمل ومعوقات بعض الأنظمة واللوائح وتأخير صدور بعض الأنظمة المهمة للتطوير العقاري أسهمت في تأخير التنمية العقارية, وبالتالي انعكست سلباً على العرض والطلب مما أسهم في تفاقم أزمة السكن في المملكة وارتفعت نسبة الاحتياج إلى أكثر من مليون وحدة سكنية، مما دفع المخططين إلى تضمين الخطة الخمسية التاسعة التخطيط لتوفير مليون وحدة سكنية في عام 1445هـ, وهو رقم مرتفع أشك في قدرة القطاع الخاص على تنفيذه، وأخشى من أزمات قادمة في توفير مواد البناء الأساسية: الأسمنت والحديد، وأخشى من حدوث أزمات جديدة في ارتفاع أسعار المواد الأساسية للبناء مما يدفع بالتكلفة إلى أسعار تصبح فيه قيمة بناء المساكن ليست في متناول المواطنين. وهذا ما يدفعني اليوم إلى طرح بعض من الحلول الاجتهادية في تحقيق المليون وحدة سكنية أو في بناء ملايين من الوحدات السكنية وذلك باستخدام بدائل مواد البناء الأخرى والمستخدمة في جميع دول العالم الصناعية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين واليابان، وهي استخدام المباني الخشبية أو المساكن المتداخلة التركيب بين الخشب والطوب الأسمنتي أو الأحمر ونسبة بسيطة من الحديد, وهي مبان مستخدمة - كما أسلفت - في المشاريع الإسكانية على جميع المستويات للطبقة الغنية والمتوسطة والفقيرة وتتميز بانخفاض التكلفة وسرعة البناء، وهناك مصانع عالمية متخصصة لهذا النوع من المباني المتكاملة وبالإمكان بناء مصانع مماثلة لها في المملكة، وقد تكون هي الحل الأمثل والسريع لبناء وحدات سكنية سريعة على مساحات كبيرة تتوافر بها البنية التحتية. وقد يعتقد البعض أنها لا تتحمل الأجواء الساخنة في المملكة وهو اعتقاد خاطئ حيث تتواجد ملايين المساكن الحديثة الخشبية في مناطق بها فصول صيف أشد من حرارة المملكة وبها فصول شتاء أكثر برودة من شتاء المملكة، وقد يكون الأهم في هذا الحل هو العمل على تغيير سلوك المواطن السعودي من البناء الإسمنتي إلى البناء الخشبي في المجمعات السكنية لذوي الدخل المحدود وهو أحد الحلول السريعة واللائقة والتي تسهم في تخفيض الطلب على الأسمنت والحديد وتمنع وقوع الأزمات في هاتين المادتين .
إن الحلول البديلة عديدة ومنها التقنية الألمانية والمصنعة في الصين والتي استطاعت أن تخفض تكاليف البناء إلى مائة دولار للمتر المربع تسليم المفتاح بجميع احتياجات المنزل وهو حل حديث موجّة لطبقة ذوي الدخل المحدود والفقراء والذي بدأ عرض نموذج له في المملكة وبدأ التسويق له وهو أحد البدائل. وكما أسلفت أن الحلول عديدة ويعود عدم استخدام الحلول البديلة في البناء إلى تقاعس المكاتب الهندسية في المملكة في البحث العلمي والهندسي المعماري للخروج ببدائل حلول للبناء الاقتصادي إلى المستوى الذي يكون في متناول المواطنين ذوي الدخل المحدود.
إن الأسلوب التقليدي القديم الذي سيطر على فكر المواطن السعودي في البناء ومواد البناء هو الذي أسهم في تأخر التطوير العمراني وأسهم في تفاقم أزمات البناء وارتفاع أسعار مواد البناء .
إن المرحلة القادمة تتطلب فعلاً حلولاً بديلة من اللجان الهندسية ومن كليات الهندسة المعمارية والمدنية للوصول إلى حلول للبناء الاقتصادي سواء أكان بتغيير مواد البناء أو بدراسات علمية لتكلفة البناء عن طريق حسابات التكاليف عند التصميم المعماري. وإذا لم تُوجه جهودنا في المرحلة القادمة لتخفيض تكلفة البناء فإن المواطن السعودي من ذوي الدخل المحدود لن يستطيع أن يؤمن سكناً لائقاً له. وهي قضية أساسية في حياة المواطن. وأخيرا يبقى السؤال قائماً هل مشروع المليون وحدة سكنية سيظل على ورق الخطة الخمسية التاسعة, أم سيصبح حقيقة على أرض الواقع؟ وهذا ما نتمناه.