أكمل أطول تقصي وبائي في تاريخ البشرية شهره الثالث عشر من دون نتائج واحتواء لتسجل وزارة الصحة إنجازا جديدا بتوثيق ترهل أدائها على المستوى العالمي. فما بين سوء اتصال مع الجمهور ومنجزات علمية ركيكة، ضاعت أرواح 53 مواطنا ومقيما يرحمهم الله.

محاولة توجيه دفة أداء وزارة الصحة في التعامل مع تفشي فيروس كورونا وبؤره المنتشرة بأنحاء المملكة، حتى أكثرها حساسية كالجبيل، هو كمحاولة إنعاش ميت تحلل بقبره. فالوزارة لم تصحو حتى اللحظة لواقع مفاده أن البؤر ما زالت نشطة بأنحاء مختلفة من المملكة، ولم تصحو لواقع أن هناك خروقات علمية وأخلاقية وإنسانية في تعاملها مع الموتى والمرضى وذويهم أثناء التقصي، ولم تصحو لواقع عدم تقديمها حتى اللحظة أي دراسة حالة مقارنة بين المصابين والأصحاء من المخالطين والتي تعد حجر الزاوية لأي تقصٍّ وبائي.

وزارة الصحة ما زالت تغمض عينيها عن حقيقة دخول موسم الأنفلونزا الموسمية وأن فيروس كورونا كأي فيروس تنفسي آخر، سيزداد نشاطه وهو ما زال مجهول الملامح والخصائص. وزارة الصحة ما زالت تعيش في فقاعة ضبابية جعلتها تصرح بنفي حالة الحاجة المغربية التي تم تشخيصها بالالتهاب الرئوي في المملكة من دون فحص لفيروس كورونا، فقط لتسافر على متن رحلة دولية من جدة إلى مدريد ومن ثم يتم تشخيصها هناك ويبدأ الاستنفار من مركز التحكم بالأمراض الأوروبي.

نفي وزارة الصحة لدينا لحالة الحاجة الإسبانية من أصول مغربية مع تأكيد الجانب الإسباني ممثلا بمركز التحكم بالأمراض الأوروبي ليس الأول في تخبطات أداء القائمين على التقصي الوبائي، فقد أعلنوا مسبقا وبادروا لنفي أي احتمالية لأن تكون الإبل مصدرا أو ناقلا للفيروس بعد أن قامت الدراسة الهولندية الشهيرة بتعرية أدائهم أمام العالم.

وها هي الوزارة الآن تعلن بحماسة عن فتح علمي جديد سبقتهم به الدراسة الهولندية قبل خمسة أشهر، من دون أي فائدة علمية مؤثرة على مسار التقصي، حتى وإن تطابق التسلسل الفيروسي الجيني من الجمل المتهم ومريض جدة شفاه الله.

هذا الفتح العلمي المزعوم، لا يضيف شيئا لحقيقة عدم قيام وزارة الصحة بدراسة حالة مقارنة لمعرفة لماذا يموت أب مصاب بفيروس كورونا وابنه المخالط معافى على أساس علمي منهجي صحيح، أما ديباجة الأمراض المزمنة التي تذيلها وزارة الصحة بكل بيان منقوص على موقعها الإلكتروني فهي مجرد فرضية بحاجة لإثبات وهو ما لم تستطع الوزارة تقديمه حتى الآن.

وها هو المسلسل يتكرر، فنحن نتذكر فضيحة إنجاز براز الخفاش الوحيد والذي أطلقت له الوزارة حملة إعلامية مكثفة على أنها منجز علمي غير مسبوق، ليكتشف العالم فيما بعد أن التسلسل الفيروسي الجيني من البراز الخفاشي لم يتطابق منه مع التسلسل البشري سوى 0،6 %!

والآن جمل وحيد مسكين في حظيرة كاملة تم فحصه لمخالطته مريض جدة شفاه الله، والذي تم الإعلان عنه قبل خمسة أيام، لتأتي نتيجة الإبل إيجابية وتبدأ الوزارة حملتها الإعلامية ولكن كفتح علمي جديد هذه المرة.

إيجابية الفحوص المبدئية على الجمل الوحيد لم يتم تأكيدها حتى الآن في دلالة على أن إعلان وزارة الصحة السابق لأوانه هو بحث عن سبق صحفي مبتور قبل أن تعلن نظيرتها وزارة الزراعة عن نتائج التقصي البيئي الحيواني الذي قامت به بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والذي أعلن عنه وزير الزراعة في إجابته الأسبوع الماضي عن تساؤل عضوة مجلس الشورى الدكتورة حنان الأحمدي، حول التعاون المشترك بين الصحة والزراعة في مكافحة تفشي كورونا.

الأهم من ذلك، أنه حتى وإن تم التأكيد على أن هذا الجمل هو الحاضن والناقل والمتهم الوحيد فإن لذلك أثرا محدودا جدا على احتواء التفشي إلا إذا تم اكتشاف رفاق مرضى لهذا الجمل وحينها سيطرح سؤال مهم عن الإجراءات المتبعة لاحتواء التفشي من ناحية حيوانية. هل سيتم مسح المواطنين والمقيمين زوار مهرجان مزاين الإبل القادم إن لم يمنع؟ هل سيتم مسح حظائر الإبل ومنع معارضها ومزاينها وهل سيتم التخلص من الإيجابي منها بذبحه أو هل سيتم توسيع رقعة المستشفيات البيطرية المتخصصة لعزل المصاب منها وعلاجه؟ ما هي الآلية التي ستضعها وزارة الزراعة ووزارة الصحة لتعويض أصحاب الإبل المذبوحة وما هي الآلية المستقبلية لمسح الثروة الإبلية صحيا بشكل مستمر، خاصة أننا نعلم أن لا لقاح لهذا الفيروس واحتمالية إنتاجه في السنوات القريبة تكاد تكون شبه معدومة؟

أما في حال أتت النتائج النهائية للجمل الوحيد سلبية أو اتضح أن المرض انتقل له من البشر، فلا بد من تفعيل نظام الرفق بالحيوان الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا، ومحاسبة المنظومة البشرية المتورطة كاملة بما فيها وزارتا الصحة والزراعة، فكيف يتم تعريض حياة الثروة الإبلية لمخاطر صحية بشرية والناقة منها تزيد قيمتها على عشرة أضعاف قيمة دية نفس بشرية مقتولة؟