وسط مشاعر الحزن حيال تنازل الأمير والفرح لتعيين نجله مكانه، اصطف القطريون ضمن طوابير طويلة منذ الصباح الباكر أمام القصر لمبايعة الحاكم الجديد الشيخ تميم بن حمد ال ثاني حتى قبل أن يعلن الشيخ حمد تخليه عن العرش.

وأعلن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في خطاب موجه إلى الأمة تم بثه في الثامنة من صباح أمس أنه "حان الوقت أن نفتح صفحة جديدة أخرى في مسيرة وطننا يتولى فيها جيل جديد المسؤولية بطاقاتهم المتوثبة وأفكارهم الخلاقة". وأضاف "إنني اليوم أخاطبكم كي أعلن أني أسلم مقاليد الحكم للشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأنا على قناعة تامة أنه أهل للمسؤولية وجدير بالثقة وقادر على حمل الأمانة وتأدية الرسالة". كما أعرب الشيخ حمد عن ثقته بأن الأمير الجديد البالغ من العمر 33 عاما "سيضع مصلحة الوطن وخير أهله نصب عينيه وستكون سعادة الإنسان القطري غايته الأولى على الدوام".

الجميع كان متفقا على أهميتها، دونما مواربة أو جدال، حتى إنهم توحدوا في وصفها بـ"الخطوة غير المسبوقة"، وهو الشعار الذي اعتمدته قناة الجزيرة في تغطيتها للحدث، فانتقال السلطة بشكل سلمي من الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى نجله الشيخ تميم حاكم قطر الحالي، خطوة لقيت مباركة في أوساط المراقبين.

المملكة، كانت الدولة الأولى خليجيا وعربيا وعالميا، التي باركت هذا التداول السلس للسلطة. ويفسر وزير الإعلام الكويتي السابق الدكتور سعد بن طفلة العجمي، في حديث إلى"الوطن" مبادرة الرياض بتهنئة الدوحة بهذه الخطوة، بأنها رسالة مبكرة أرادت المملكة من خلالها التأكيد على أن العلاقة مع قطر وقيادتها ستبقى على نفس درجات الود والأخوة والتنسيق إن لم تزد عن السابق، وهو ما ينسحب على بقية الدول الخليجية كذلك.

ويرى ابن طفلة أن التحول السياسي الذي شهدته الدوحة، "خطوة غير مسبوقة" لعدة اعتبارات، منها أن قطر بلد اشتهر على مدى التاريخ بأن انتقال السلطة فيه لم يكن بهذه السلاسة. والكل يعلم أنه حين أتى الشيخ حمد كانت قطر تعيش في مرحلة بعيدة عن التطور والنمو وتحولت خلال 18 عاما الماضية إلى ورشة عمل، وانتقلت من خزينة شبه خالية إلى دولة من أغنى دول العالم".

وأكد وزير الإعلام الكويتي السابق على أهمية الخطوة بغض النظر عن حيثياتها. وبسؤاله عما إذا كان يرى أن هناك أمورا أبعد مما ذهب إليه الشيخ حمد في خطابه الصباحي، علق بالقول: "لا أعتقد ذلك.. فأي أسباب أخرى قد تكون وجدت لدى الكثيرين في الأنظمة العربية، ولم يتم مثل هذا التنازل، لذلك قلتُ: أيا كانت مبرراته"، مستدركا بالقول: "لكن معرفتي أن قطر صاحبة مثل هذه الخطوات غير المسبوقة والتاريخية وهو ما حصل صباح الثلاثاء".

وعن توقعاته ما إذا كان أمير قطر السابق سيغيب تماما عن المشهد السياسي، ومدى إمكانية أن يمارس دور الراعي لمشروع الدولة الحديثة، قال ابن طفلة: "أعتقد أن الحكمة العائلية والترابط، وبحكم استمرار العلاقة الودية والإنسانية والأبوية بين الأب وابنه، وبحكم الخبرة التي تراكمت لدى الشيخ حمد بن خليفة، فمن الذكاء ألا يستغني الابن عن خبرة والده التي اكتسبها طيلة العقدين الماضيين".

وحول احتمالية تراجع دور قطر في المشهد السياسي الخارجي، وتحديدا في الملف السوري، قال المسؤول الكويتي السابق: "لا أتوقع أن يكون هناك انعكاس على السياسة الخارجية".

إلى ذلك، وصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات الدكتور عبدالخالق عبد الله في تصريح إلى"الوطن"، قرار قطر بالجريء، مضيفا: "يبدو لي أن هناك دوافع خلف تنازل الأمير عن الحكم لابنه"، ويشير إلى أن الشيخ حمد يبدو مقتنعا بمنح الشباب فرصة القرار. وهذا القرار سيدخله التاريخ"، مشيرا إلى أن تميم أمامه الكثير من الملفات بالداخل.

وحول الدور القطري في الشأن الخارجي ـ خاصة في سورية ـ يرى الدكتور عبدالخالق، أن كل ما قامت به قطر خلال السنوات الأخيرة كان دورا للأمير شخصيا أكثر من كونه لقطر كدولة، مضيفا: "تنازل الأمير يعني أنه قد انسحب من القضايا العربية ومن ضمنها الملف السوري، ولن نرى قطر بنفس الحضور الذي كانت عليه".

إلا أن مدير جامعة الإمارات الدكتور علي النعيمي يخالفه الرأي، ويشير في تصريح إلى"الوطن"، أن هذا القرار لن يكون له تأثير في دور قطر تجاه القضية السورية والمنطقة ككل".

من جانب آخر، اعتبر الكاتب السعودي والباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبدالله الشمري خلال حديثه إلى"الوطن"، أن التغير السياسي في دولة قطر يعد أمرا متطورا من الناحية السياسية. وقال: إن هذا التغيير يعد ظاهرة جديدة في الإقليم العربي.

وحول انعكاسات هذا الأمر على المجلس الخليجي، قال الشمري: إن هذا الأفق الجيد مع دول المنطقة سيعزز العلاقات الخليجية الخليجية أكثر مما هي عليه الآن، مسترجعا بأن الدوحة مرت بمرحلة "اختلاف في وجهات النظر" فيما بينها ودول الخليج الأخرى.

وأشار إلى أن الانتقال السلس سيؤسس لظاهرة إيجابية، تعطي ثقة كبيرة للوسطين السياسي والمجتمعي، متوقعا أن تميل السياسة القطرية الخارجية نحو الواقعية والمحافظة بشكل أكبر.