في الفيلم الرائع (زوجة رجل مهم) الذي لعب فيه الموهوب أحمد زكي، دور ضابط بجهاز أمن الدولة خلال نهاية عهد السادات التي اتسمت بالارتباك والقلاقل، وتسلط الجهاز، فكانت انتفاضة معارضي السادات الذي أطلق عليها "انتفاضة الحرامية"، لكن كان ضروريا أن يُراجع جهاز الأمن حساباته، ويعيد ترتيب بيته، فقرر تسريح بعض الضُبّاط المعروفين بشراستهم، ومنهم أحمد زكي الذي وجد نفسه في الشارع بعدما فقد السلطة والنفوذ، فأصابته حالة هستيريا مشوبة بالعدوانية، فراح يعتدي على زوجته، وجيرانه والجميع.

حاصر مخيلتي مشهد الفنان أحمد زكي الذي تقمص الدور ببراعة، حينما تابعت محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وهو يصرخ في وجه القاضي: "أنا رئيسك، أنا رئيس الجمهورية.. وأنا محبوس بسبب انقلاب، والانقلاب جريمة، والمحكمة غطاء للانقلاب"، وراح يهتف كأنها مظاهرة وليست محاكمة: "يسقط حكم العسكر"، ويتحدث بعصبية عن "الشرعية"، فبدا لي الرجل حينها أنه يستحق الشفقة، أكثر مما يُثير السخرية التي سادت أجواء المحكمة، وتجاوزتها للشارع المصري الذي راح يطلق النكات اللاذعة على سلوك مرسي خلال محاكمته.

يُعرف علماء النفس الهستيريا بأنها "مرض نفسي عُصابي، تظهر فيه اضطرابات انفعالية وخلل في التحكم بالانفعالات، والمبالغة والتهويل، وإنكار الواقع، وهيمنة الأوهام على سلوك المريض فيبدو أقرب للتمثيل والاستعراض، وتضخم الذات، ومحاولة استدرار العطف، مع الاعتزاز المفرط بالنفس وحُبّ الظهور"، وكأن علم النفس يصف بدقة سلوك مرسي خلال أولى جلسات محاكمته.

هذا الخلل السلوكي الذي يعانيه مرسي انتقل لقيادات الإخوان، لدرجة شكا معها اثنان منهما (العريان والبلتاجي) من تعرضهما للاعتداء الجنسي، وحتى بافتراض صحة الواقعة جدلا، فقد كان حريا بهما التقدم بشكوى للنائب العام دون ضجّة إعلامية تنال من شرف المرء في مجتمعات محافظة، وكان بوسعهما إبلاغ القاضي في جلسة محاكمة مرسي التي كانا حاضرين بها، والمطالبة بتوقيع الكشف الطبي عليهما لتأكيد الادعاء أو نفيه، لكنهما لم يفعلا لأنهما يعلمان جيدا أن الكشف الطبي سيفضح أكاذيبهما، وهنا يثور السؤال: لماذا يصل (فُحش الخصومة) لدرجة متاجرة المرء بعرضه؟!

تدحرجت الهستيريا لقطاعات أوسع من أنصار الإخوان الذين يخرجون في مظاهرات يومية، لكنها تتصاعد يوم الجمعة لتتحول القاهرة لساحة مواجهات دامية، وهذا ما يريده الإخوان، بينما تقف قوات الجيش والشرطة حيال مأزق، فلو ردعت هؤلاء الُمسلحين المأزومين، فستُقيم المنظمات الحقوقية الدنيا، وتتباكى على الانتهاكات، وتتجاهل حق شعب كامل في العيش بسلام، وتظل القوات ملتزمة بضبط النفس وعدم تصعيد المواجهة، وهذا أيضا يُثير غضب الشعب الذي يرى "حكومة الببلاوي" رخوة مرتبكة غير قادرة على إدارة المرحلة.

وفي بيان أصدرته جماعة الإخوان تغنت فيه بما أسمته ثبات مرسي خلال محاكمته وأنه "أبهر العالم بصموده وصلابته واطمئنانه، حتى منح أنصاره الذين خرجوا ليشدوا أزره شحنة معنوية هائلة تشد أزرهم، وتحضهم على الثبات والاستمرار، والتمسك بالشرعية"، وبتحليل مضمون البيان سنجده يتسم بالإمعان في الكذب وإنكار الواقع، فهل تعد الجماعة سلوك مرسي الاستعراضي صمودا؟، وهل صراخه واضطراب سلوكه تراه جماعته صلابة واطمئنانا؟

نترك الإجابة لعلماء النفس، ونرصد سلوك أنصار مرسي الذي تحول للعدوانية المُفرطة، لدرجة توجيه الشتائم للشعب بأسره، ووصفه بتعبير (عبيد البيادة) فضلا عن قطع الطرقات وحرق المنشآت والكنائس والتحرش العنيف بالقوات التي تضطر للرد عليهم، ليتباكوا بعدها أمام الكاميرات، بينما يدفع ملايين البسطاء ثمن هذه المواجهات المتواصلة من رزقهم وأمنهم، وهو ما دفع بعض المواطنين لمواجهة مظاهرات الإخوان بشراسة تتجاوز رد الفعل المنضبط لقوات الجيش والشرطة، وهذا أمر خطير يُنذر باقتتال شعبي، ما لم تُقدم الحكومة على اتخاذ سلسلة إجراءات شجاعة، لتوقف ممارسات العنف، وتهيئة مناخ آمن يتيح إجراء استفتاء على الدستور دون الخوف من مخططات الإخوان لهذا اليوم، والتي يُمكن توقعها ببساطة، استنادا لممارساتهم العدوانية الراهنة، والتي يعلم الله تعالى وحده متى وكيف تنتهي؟