يشهد الكوكب الأزرق تغيرات بيئية كبيرة، تعتبر ظاهرة "الاحتباس الحراري" أحد أهم هذه التغيرات ولا سيما الظواهر المترتبة عليها مثل ذوبان جليد قطبي الأرض تدريجياً وازدياد منسوب المياه في البحار، وارتفاع درجة الحرارة حتى أصبح الشتاء أكثر دفئاً عن ذي قبل، وترافق هذه التغييرات ندرة في الأمطار إلى حد الجفاف في بعض المناطق، وازدياد نسبتها إلى حد الفيضان في مناطق أخرى من العالم، وتشير بعض المعلومات إلى أن الفقراء هم أكثر المعرّضين لخطر الموت غرقاً بسبب الفيضانات.

التغيرات المناخية الحادة في بعض مناطق من العالم، بدت تنعكس على بقية العالم، ونحن لسنا خارج نطاق هذه التغيرات المناخية، وخاصة فيما يتعلق بأخطار الأمطار والسيول، ولذلك يجب أن نقرّ بشجاعة بأن المواطن بات يخاف من المطر، وهذا الأمر يجعل القضية تنحصر-من وجهة نظري- بثلاثة أخطار رئيسية، مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً، وهي كالتالي:

الخطر الأول: هو تغيرات المناخ، ففي دراسة مقدمة للملتقى الخليجي للزلازل أكدت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بدراسة علمية أن لارتفاع المعدلات اليومية للحرارة تأثيرا على زيادة كثافة السيول والأمطار في المملكة، مما يمثل منعطفاً في زيادة درجات الحرارة وكثافة الأمطار والسيول. وهذا الأمر يعني أننا يجب أن نستعد لهذه التغيرات بالدراسات العلمية الدقيقة والارتباط بمراكز أبحاث عالمية، وأن المملكة العربية السعودية على الرغم من سعة رقعتها وامتداد مساحتها، واختلاف التكوينات الجغرافية لمناطقها إلا أن هذا لا يعني أن مجاري التكوينات المناخية ستكون ثابتة فيها من ناحية درجات الحرارة التي بتنا نشهد ارتفاعها سنوياً، وهذا يعني بالتالي أن كثافة الأمطار أيضا لن تكون ثابتة هي الأخرى، كما أن مجاري الأودية ستبقى هي نفسها كما كانت عليه قبل مئة عام مثلاً، لأن قلة منسوب مياه الأمطار قد أثر طوال عقود ماضية، لكن الطبيعة حتماً سوف تستعيد نشاطاتها بين حين وآخر، وهذا ما يقودنا إلى النقطة التالية.

الخطر الثاني: هو ضعف البنية التحتية. وأقصد في بعض المناطق طبعاً، وخاصة مناطق الأطراف، مما يجعلها أولاً غير موازية لمناطق المركز في التنمية، وتالياً يجعلها عرضة لخطر التغيرات المناخية، إذا ما كانت غير مصممة لمواجهة كثير من الكوارث، كما حصل هذا العام في منطقتي تبوك وعرعر الشماليتين، وهما المنطقتان اللتان ظهرت عليهما أزمة سوء البنية التحتية كما ظهرت على جدة سابقاً.

فمع ذلك ـ مع الأسف الشديد ـ نحن نشاهد في بعض المدن السعودية مظاهر "تحدي" الطبيعة بطرق غير علمية وغير مدروسة وغير مبررة في الوقت ذاته، تتمثل في الخطأ الاستراتيجي الذي لا يغتفر، والمتمثل في تخطيط بعض الأحياء السكنية في المدن داخل مجاري الأودية، في ظل عدم وجود شبكات مناسبة لتصريف مياه السيول والأمطار، وهذا الأمر في غاية الخطورة، إذاً إن تحدي الطبيعية بهذه الطريقة أمر مكلف، فالوادي يعود لمجراه الطبيعي ولو بعد ألف عام من الهجر، غير أن الأخطاء قد تستمر من خلال تغيير مسارات بعض الأودية والشعاب مما قد يجعل تقدير كمية السيول في هذا الوادي غير مطابقة للطبيعة، مما يجعل الطبيعة تنتصر في النهاية، وما أشرنا إليه في هذه النقطة يقود إلى الخطر التالي.

الخطر الثالث: وهو "الفساد". والمقصود به طبعاً الفساد المتعلق بالتنمية، من خلال مشروعات البنية التحية، والتي قد يلاحظها المواطن في كافة المناطق على الرصيف أحيانا! فحين تعلن بعض المشاريع التنموية بأرقام فلكية وبعد سنوات من وعود التنفيذ إما أن يتعثر المشروع أو يكتشف المواطن بوضوح-من خلال المعاينة- أن هذه الأرقام ليست متناسبة مع الوعود المنفذة، وهذا ما يجعل الأسئلة تترى في الذهن ولا يوجد حينها إلا تفسير واحد وهو أن الفساد ابتلع التنمية! ولهذا السبب نجد أن المواطن قد يذهب ضحية تغيرات بيئية لأن الخطط الموجودة للبنية التحتية المنفذة لا تنظر إلى المستقبل!