انتشر ـ قبل أيام قلائل ـ في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي لشخص إرهابي سعودي ادعى أنه أحد مجاهدي بلاد الشام، يهدد فيه قاضيا سعوديا بفصل رأسه عن جسده لأن القاضي حكم على عدد من النساء المدانات بالسجن.

المتابعون لجهود المملكة في مكافحة العمليات الإرهابية، ظنوا أن الإرهاب قد لفظ أنفاسه الأخيرة وانتهى، ولكن ها هو يطل برأسه من جديد عبر هذه التهديدات ذات اللغة العنفية الشرسة.

إنني أتساءل: ما دلالات هذا التسجيل الصوتي؟ هل أصبح الإرهابيون ما بين ليلة وضحاها مناصرين للمرأة وحقوق الإنسان؟ أم أنها لغة جديدة لتبرير العنف والإرهاب؟

إنني أتصور أن العنف الممارس من قبل الجماعات الجهادية لا يدخل في دائرة الدفاع عن المرأة وحقوق الإنسان، بل هو عنف ابتدائي أصيل ينطلق من تفسيراتهم لبعض النصوص الدينية ولا يخضع لقانون الفعل ورد الفعل، والتاريخ يكشف لنا الكثير من الشواهد:

1- العنف الذي مارسه الخوارج "أول تنظيم إرهابي" بالخروج على الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم يكن وليد ردة فعل بل كان يستند إلى مبدأ الحاكمية وحجة أنه حكم الرجال، ولا حكم إلا لله، ويجب عليه أن يتوب أو يُقاتَل، وعدوا كل من خالف رأيهم أو سكت وقعد عن الخروج معهم كافراً، وأباحوا تبعا لذلك دماء المسلمين، وأطلقوا على أنفسهم الموحدين وعلى حركتهم جهادا، ومع أنهم كانوا ظاهراً أشد الناس تديناً وأكثرهم عبادة وتهجداً في المساجد، إلا أن الإمام ومن معه من أصحابه لم ينخدعوا بهذه المظاهر فسموهم "الخوارج"، وقال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "يخرج في هذه الأمة قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة، من أبغض خلق الله إليه".

2- بعض الفقهاء في بدايات التاريخ الهجري قننوا استخدام العنف ضد غير المسلمين، بما يسمى بالجهاد الابتدائي، هؤلاء المشائخ اعتمدوا على فهمهم لبعض النصوص الدينية ولم يكونوا في سياق رد الفعل.

3- العنف الابتدائي لجماعة "الإخوان" في مصر ضد الخصوم السياسيين في القرن الماضي لم يكن ناشئا من الفعل ورد الفعل فقد كانت السلطة تحتضنهم، حتى إن الرئيس "جمال عبدالناصر" عين "سيد قطب" مستشاراً للتربية والتعليم، وحتى عندما سجن لم يتعرض للتعذيب والإهانة بل كان يسمح له بالكتابة والتأليف ولكنه رغم ذلك وصم الدولة بالجاهلية!

الواقع الراهن يؤكد بأن عنف الجماعات الجهادية لا علاقة له بأوضاع متردية و"لا هم يحزنون"، هو عدوان مقدس مسلح ببعض النصوص الدينية من قبيل الاستشهاد ببعض الأحاديث الضعيفة كحديث الفرقة الناجية، وإلا فهل من مبرر لجماعات جهادية في باكستان مثلا تسرف في سفك الدماء بالجملة، وهي في ذات الحال لا تعاني من مظلمة بل تدعي بأن الدولة كافرة لا تطبق الشريعة حسب نظرتها المتشددة!

كثيرة هي التشخيصات المغلوطة التي تتوسل بالعنف والإرهاب وأنه مجرد رد فعل لمظالم غربية ضد المسلمين، أو ضد العولمة، أو ضد المد الليبرالي.. الخ، وها هي الآن تتحدث عن حماية المرأة وحقوق الإنسان على الطريقة الجهادية.

إنني أقولها بكل صراحة وبدون مناورة: هؤلاء الإرهابيون يختلقون الحجج والمبررات من أجل تمرير أجندتهم المعروفة وهي دولة على نمط "طالبان".

بوحي مما تقدم، يكون من اللازم إعادة النظر في:

1- لغة الخطاب الوعظي ودراسة مدى مواءمتها للعصر وانتمائها للحاضر.

2- تحصين المجتمع ضد أمراض التطرف من خلال بث ثقافة التسامح واحترام حقوق الإنسان في مدارس التعليم العام.

3- تفعيل القواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية.