لعل أكبر تحد يواجه معالي المهندس عادل فقيه، وزير العمل الجديد، هو التعامل مع ملف البطالة التي أصبحت ظاهرة مزمنة في المملكة، حيث ظل معدلها في حدود 10% طيلة السنوات الثماني الماضية، على الرغم من أن الاقتصاد السعودي تضاعف أكثر من مرة خلال تلك الفترة وأوجد مئات الآلاف من الوظائف، لكن معظمها لم يكن من نصيب المواطنين.

واستمرار معدل البطالة في حدود 10% في حد ذاته مثير للقلق، ولكن آخر تقرير لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات يُظهر أن البطالة تتفاقم، فقد ازداد عدد العاطلين من 416 ألفاً في عام 2008 إلى 449 ألفاً في عام 2009، أي بزيادة نحو 8% في عام واحد، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة، بسبب ازدياد أعداد الخريجين وتضاؤل فرص توظيفهم، بل إن هناك مؤشرات إلى أن عدداً لا بأس به ممن سبق توظيفهم جرى تسريحهم مؤخراً بسبب ظروف الأزمة المالية العالمية، وفقاً لأخبار وتقارير نُشرت هذا الصيف.

وتختلف مشكلة البطالة لدينا عنها في الدول الأخرى مما يتطلب حلولاً تتناسب مع وضعنا المميز. ففي معظم الدول تعود مشكلة البطالة بشكل رئيس إلى ضعف النمو الاقتصادي، وقلة الوظائف التي يتمكن الاقتصاد من إيجادها. ولكن هذا ليس سبب البطالة في المملكة، فاقتصادها قد تضاعف أكثر من مرة خلال العقد الماضي، وتضاعف معه عدد الوظائف المتاحة، ولكن ذلك لم يُترجم إلى زيادة مماثلة في عدد المشتغلين من السعوديين، بل تُرجم إلى زيادة في عدد المشتغلين من غير السعوديين، كما هو واضح من بيانات مصلحة الإحصاءات العامة أيضا.

واختلاف آخر هو في التحصيل التعليمي للعاطلين عن العمل، ففي الدول الأخرى تزداد فرص الباحث عن العمل في الحصول على وظيفة بزيادة تحصيله العلمي، وكل من درس الاقتصاد يتذكر المعادلات والنماذج الرياضية التي تؤكد هذه الظاهرة. ومع ذلك نجد أن أعلى نسبة من المتعطلين السعوديين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس، حسب تقارير مصلحة الإحصاءات العامة، إذ تتجاوز نسبتهم 44%، يليهم حملة الثانوية حيث تبلغ نسبتهم نحو 26% ثم حملة الدبلوم ما بعد الثانوية بنسبة 13%. هذا بين الشباب، أما بين النساء فإن الحاصلات على شهادة البكالوريوس يمثلن أكثر من 78% من إجمالي العاطلات عن العمل.

وهذا يعني بكل بساطة أن مناهج وأساليب جامعاتنا والكليات التقنية التي تمنح الدبلومات بعد الثانوية لا تساعد خريجيها على الحصول على عمل. وهنا تكمن مشكلة عميقة الجذور، ربما ليست من صنع أو حتى اختصاص وزارة العمل، لكن مسؤولية الوزارة أن تشخص أسباب هذه الظاهرة الفريدة وتقترح علاجها.

وبالإضافة إلى البطالة، ثمة ملفات أخرى ذات علاقة ولا تقل صعوبة وتعقيداً، منها هذه التساؤلات التي يثيرها كل خبير يدرس أوضاعنا الاقتصادية:

- لماذا نتميز بأدنى نسبة للمشاركة في سوق العمل في العالم - في حدود 36% من إجمالي من هم في سن العمل، على الرغم من الجهود التي بُذلت لزيادة هذه النسبة، وعلى الرغم من طفرة النمو الاقتصادي السريع التي نمر بها؟

- لما ذا يتركز توطين الوظائف (السعودة) في الوظائف الدنيا ذات المحتوى المعرفي المحدود، وذات الأجور المنخفضة؟ ولماذا لمن ننجح في سعودة الوظائف الفنية ذات القيمة المضافة الأعلى؟

- لماذا توجد عمالة سائبة في كل مدن المملكة تقريباً؟ أليس من المفروض أن كل عامل أجنبي قد تم استقدامه لأداء وظيفة محددة؟

لا شك في قدرة معالي الوزير على معالجة هذه الملفات الشائكة من موقع القيادة والمسؤولية في وزارة العمل، بعد أن خبرها وواجه آثارها كرجل أعمال قيادي في إحدى كبريات الشركات السعودية، ثم كممثل لرجال الأعمال في الغرفة التجارية بجدة، ثم كأمين لجدة التي تختبر قدرات كل إداري.

ولكن حل مشكلة البطالة، وتعزيز مشاركة السعوديين في سوق العمل، تحديان من نوع مختلف، فجذورهما ومسبباتهما تعود إلى عقود من الإهمال والقرارات التي لم يحالفها التوفيق، وتعود مسؤولية معظمها إلى جهات أخرى غير وزارة العمل. ولكن الوزارة في الواجهة أمام الباحثين عن عمل، ولذلك فإن عليها تشخيص الأسباب واقتراح الحلول، وأن تأخذ زمام المبادرة في قيادة جهد منسق مع جميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة لتنفيذها.

وفي المقابل، فإن نجاح وزارة العمل في توظيف ولو مواطنا واحدا سيكون له آثار إيجابية، ليس فقط في المردود الاقتصادي المباشر على المواطن المعني، بل في تعزيز الأمن الوطني والسلم الاجتماعي والرخاء الاقتصادي للوطن بأكمله.