كثير من أبناء جيل الثمانينات الميلادية، تابع ـ وبشغف ـ أخبار وموسيقى نجم البوب مايكل جاكسون، تماما كما فعل من سبقوهم مع الفس بريسلي وفرقة البيتلز والرولنغ ستوننز، وهم جميعا اليوم مواطنون صالحون يعملون بجد واجتهاد وبوطنية والتزام في بناء البلاد وإدارتها، فكم من مسؤول اليوم تشكل ثقافة الموسيقى الغربية جزءا من تراثه الشخصي ومكونا أصيلا في تفهمه لأهمية التعايش المشترك وأن الغريب ليس بالضرورة الشيطان الرجيم.

كما أن هناك كثيرا من أبناء تلكم الحقب تمترس في خنادق الفكر وانطوى على نفسه خوفا من التغيير أو من تعلم كيف يفكر الغريب، ليس حرصا بالضرورة على هويته المحلية بقدر خوفه من ضعف ومتانة قناعاته، كل ذلك بذريعة أن كل ما يأتي من الغريب هو مفسدة، ولا ثقافة قويمة وصحيحة إلا ما تشربه دون فهم في كتاتيب الصحوة ومعاقل الفكر الإقصائي.

لست أقول إن مايكل جاكسون ورفاقه هم القدوة التي بها تبنى الأمم ولكني في ذات الوقت أقول إن الاحتكاك دون خوف مع ما يبهج النفس ويروح عنها هو طريق أساسي لتكوين عقلية منتجة منفتحة قابلة للحياة في هذا العالم المتداخل، الذي لا يمكن فيه الانعزال عن المحيط مهما حاول البعض، وما واجهته حركة طالبان كمثال من عزلة دولية مرده ـ ليس لأنها كما تقول حاولت تطبيق الشريعة الإسلامية ـ بل لشذوذها الفكري الذي عد كل مختلف عدوا محتملا، وكل بهجة حياتية رجسا قد يقود بصاحبه إلى النار، وكأنهم وحدهم لديهم وكالة حصرية للتفسير الصحيح لمسار دخول الجنة.

في يومنا هذا تتلون حياة الشباب بألوان عديدة من الفنون الموسيقية مثل "الهيب هوب"، والحياتية مثل "الغرافيدي"، فما بين من لبس ثقافة غربية من حيث الشكل وبين من سار في مسارات العقل في فهم طبيعة الحياة ومقاصدها، نجد أن الأصوات الطالبانية لا زالت تعمل على الاستمرار في تجريم وتحريم وتخويف العباد والبلاد بذرائع لا يمكن أن تثبت آنيا لأنها مستقبلية الحدوث، وبالتالي تمنهج مجددا بل تستمر في ضخ فكر الانعزال وكره الغريب، رغم أن الزمان أثبت بأن الدين القوي لا يمكن أن يهتز بتلك البساطة الساذجة التي يروجون لها، وأن البلاد اليوم تعمل وفق المنهج الصحيح الذي يعتمد على ديننا الإسلامي الحنيف وفق منهجه الداعي للتفكر والتعلم والانفتاح على العالم، فهل يعتقدون وهم المدعون بأنهم ناشرو الدين، أن إسلامنا العظيم دخل العالم منذ عهد الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- بفعل الإرهاب والتخويف والانعزال، أم بفعل التقارب وتقديم القدوة الحسنة للغريب والقريب!