لا شيء تحقق، لا منجز يذكر، دخلت التفاصيل في التفاصيل وتشابكت الأجزاء والبرامج والقنوات، اختلط كل شيء، وساحت المسائل على بعضها، والذين ملؤوا الميادين والشوارع، وتلقفوا بأجسامهم الطلقات عادوا لحياتهم المحبطة وتولت الموضوع برمته أحزاب سياسية ذات انتهازية مصلحية.. استبدلت المشاريع العامة باستحواذات خاصة، وانشغلت باقتسام الغنائم المتكدسة، فيما تضاعفت المشاكل وانهارت المؤسسات وفاضت البلاد والعباد بالفوضى.. هذا هو الوضع الآن، أما ما قد يحدث مستقبلا فبيد الله، صحيح أن قيما هائلة انبعثت من أرواح المحبطين بالقدرة على التعبير، وخلق موقف مما يحدث، لكن النتائج لا تبشر ولا تشي بما يبهج.. صحيح أن الإعلام تحرر وانفجرت وسائله وصار الجميع يتحدثون، لكن دون حياد، وتحولت القوى الثورية الهائلة إلى مجرد محركات كلامية تدير نقاشا إعصاريا في مجتمعاتها، لكن الكلام لا ينتج سوى نفسه، فيما تكرس الأحزاب الاستحواذية التي صعدت إلى هرم السلطة كل يوم مواقعها، وتعزز مكتسباتها بعيدا عن الناس اعتمادا على آليات شديدة الديموقراطية، وتتحول إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة، وتتصومع حول مصالحها بأنانية شديدة، وتبدأ في إقصاء منافسيها مشددة أحكاما قضائية في مسائل التعبير والحريات، فيما تطفو على السطح طبقات سياسية جديدة هزيلة التأهيل غائمة التوجهات، تنفذ برامج محدودة.. هذا على الأقل ما يظهر حتى الآن.. هل نحن نصادر المستقبل والإعلام والمصداقية وفق ما يحدث اليوم؟ ربما، لكن ماذا حصدت المجتمعات؟ وما المتحقق للفرد فيها؟ هذا هو السؤال الأهم.

كل ما يتمناه كل محب لبلاد العرب هو الاستقرار والنماء والازدهار، وأن تجني الأجيال الحالية والقادمة نتائج إيجابية تدفعها نحو المستقبل الواعد، وهذه ـ حتى الآن ـ بعيدة عن التحقق للأسف الشديد ولا تلوح بوادرها قريبا، فيما الانقسامات والتشظيات والحروب الأهلية والتغولات والديكتاتوريات المدنية وانبعاث الإثنيات هو ما نحن موعودون معه بالعذاب.. ويبقى الإعلام ضحية من ضحايا ما يحدث.