لا تخلو مقالة صحفية أو حلقة تلفزيونية أو كُتب مطبوعة أو نقاشات مجلسية من قضايا المرأة السعودية، وتلقى تفاعلا ومتابعة قد تصل إلى حد الشعبية بين مؤيد ومعارض، ورويدا رويدا انتقلت العدوى إلى حوائط فيسبوك ونوافذ تويتر.. ولعل مبررات ما ذكرت لا تخلو من التنوع والتضاد.
أهمية الموضوع تكمن في نصف المجتمع "المرأة" بغض النظر - موقتا - عن عدسة الطارح والمتناول، وأيضا في نصف العبارة "السعودية" عند البعض. تنوعت أساليب الطرح بتنوع نبرات الصوت وأحبار القلم، وتشكلت ردود المتناول بتشكل أيديولوجية المتلقي واختلاف درجات الفهم في منشأة الإدراك المجتمعي، نتج عن كل هذا التنوع والتشكل اضطراب جدلي سيمحو الدهر منه ما سيمحو ويعود مقياس رختر للركود طال الزمان أو قصر.
طُرقت أبواب مواضيع كثيرة ومشاكل متعددة فيها الجوهري وفيها الثانوي، وأبواب النقاش مفتوحة على مصراعيها لجل تلك القضايا، ولعل التجرؤ باقتحام تلك القلاع المنيعة في حد ذاته يعد خطوة للأمام. وبنظرنا لموضع أقدامنا في جل هذه القضايا، فإننا بين البين، وما زال باب النقاش مفتوحا والاختلاف مطلوبا، ولكن أن يناقش غير المرأة قضاياها ولا تشارك فهذا أول الظلم، وأن تُنتقى مشاكلها فهذا أبشع الجهل، وأن تُسخف مطالبها فهذا أمسخ الطرح، وأن يُقيد دورها فهذا أجبن تعاط، وأن تصبح قضاياها سلعة لأهداف لا تمت لمصلحتها بصلة فذاك أسوأ ما يكون.
درسنا جميعا في مدارسنا التلقينية على امتداد مراحلنا الدراسية خط الأعداد منطلقا عن يمين الصفر ويساره بالأعداد الموجبة والسالبة، ولأن مجتمعنا مؤدلج بطبعة المتطبع عليه - كان الله في عونه وأحسن حاله - فإنه غارق في أقصى اليمين أو أبعد نقاط اليسار، إن اعتبرنا الصفر نقطة الاعتدال، فهناك من شدد وهناك من أفرط في الطرح والتناول، وهناك من خلط بين الضوابط الشرعية والضوابط الاجتماعية، وما يؤلم هنا المتفرجات على هذا الصراع لتحديد مصير حقوقهن وقضاياهن. هناك من تغنى وأنشد بدور أجهزة معينة ووصاية الأسرة في صيانة تلك الدرة المكنونة - المرأة فقط من تصون نفسها - وكأنهم يحكون لنا قصصا أسطورية أو روايات خيالية لا أراها في وطني أو بين مجتمعي، فلم التطبيل على الخصوصية والاصطفاء، كلنا نعلم ونعي ونرى ونسمع ما تعانيه المرأة في وطننا وبين مجتمعنا وداخل أُسرنا. وهناك من يطرح ويبحث بسطحية وسذاجة مواضيع لا ترقى لهموم وحقوق واحتياجات وقضايا المرأة في ممرات وزارتنا وبين جدران بيوتنا وعلى أرصفة شوارعنا.. فلا فرق عنده بين الغاية والوسيلة. كانت قد تنازلت المرأة عن بعض حقوقها وسُلبت البعض الآخر فيما مضى، ولكن أثبتت المرأة السعودية في عصرنا الحالي كفاءتها وقدرتها على تجاوز الرجل في كثير من مجالات الحياة والشواهد كثيرة، ولذلك كله فنحن مستبشرون خيرا ومتفائلون بمشاركتهن في الرقي بإنسانيتنا أولا ونهضتنا ثانيا. ما يحير في هذا كله علامة استفهام متكئة على عمود تعجب ضخم.. هل سيبقى الرجل متخوفا من المنافسة؟ أم سيقدم يد المساعدة؟ وما ذاك الصمت الأُنثوي هل هو هدوء وحكمة؟ أم خوف وترقب؟.