ينسفك الدم مسفوحاً على وجه الأرض نتيجةً للحظة غضب طائشة تضع شريحةً من المجتمع تحت طائلة الأخذ بالثأر، مما قد ينزع ولو جزيئاً لباس الأمن الذي يُعد من المكتسبات الوطنية العظمى، ويُعتبر مفخرة السعوديين أمام العالم أجمع. فما إن يسيل الدم حتى نرى الأمن النفسي لدى أقرباء القاتل وقد بدأ يتلاشى وتتقلص أطرافه استناداً على ما قد يتعرض له قريب القاتل من ثأرات طائشة قد تودي بحياته، ويستمر الأمر على هذا النمط القاسي طيلة تداول القضية، بعد ذلك يتنادى المصلحون إلى العمل على إيقاف سفك الدم، وذلك بطلب العفو من أولياء المقتول، الذي غالباً ما يكون عفوا مشروطا ليس من أقل شروطه الحكم بمبالغ مالية باهظة تتجاوز سقف الملايين، ليبدأ أقرباء القاتل رحلة عناءً جديدة تتمثل في جمع هذا المبلغ وإنقاذ قريبهم من القصاص، حيث يتخلل ذلك تأجيل لكل المصالح الذاتية المتعلقة بهم حتى يتسنى لهم وبعد جهد مضن الحصول على مبلغ الدية (الملاييني) لينقذوا حياة قريبهم، الأمر هنا لا تثريب فيه على أقارب القاتل، كونهم يسعون لتحقيق عمل إنساني نبيل، ولكن المشكلة تكمن في طرفين:
الطرف الأول: أولياء دم المقتول، حيث إن إصرارهم على قبض هذا المبلغ الباهظ يعد سوءة أخلاقية تتمايز مع أعراف القبائل العربية المتمثلة في الأخذ بالقصاص، أو العفو بلا مقابل.
الطرف الثاني: السجن النظامي المطبق في حق القاتل المعفو عنه: وهذا يدعونا إلى المطالبة الجدية بتغيير هذا البند من النظام ليكون أكثر ردعاً وأجدى نفعاً، فالحكم بالسجن لخمس سنوات لم يعد عقوبة رادعة يتوقف أمامها الطائشون قبل الإقدام على جريمة القتل، بل أصبح ملهاةً يستهين بها القتلة لنفاجأ بتزايد جرائم القتل في المجتمع، مما يجعل الجميع يسعى إلى المطالبة بإعادة النظر في تلك العقوبة لتكون عقوبة رادعة.