التقنية التي بين أيدينا ما هي إلا نعمة عظيمة، نحولها نحن بجهلنا إلى عدو بغيض، من شأنه أن يفتك بنا فتكا لا قبل لنا به، وقد أثبتت التجارب والأيام لنا ذلك بجلاء؛ لأننا في الواقع أمة متلقية ومستهلكة بالدرجة الأولى. وفي وضع كهذا، لا يمكننا استيعاب جوانب المنتج الجديد كافة، ولا تبعات مخرجاته؛ لأننا لسنا أصحاب منجزه في الأصل، فذلك يتطلب تراتبا وترتيبا منطقيا للوصول إليه، وهو ما يتطلب بالضرورة وصول المجتمع فكريا وعلميا وثقافيا إلى درجات وعي أعلى مما هي عليه في واقعنا الحالي ـ وأنا أقصد الواقع العربي ـ فكل منجز لا تصاحبه تلك المتغيرات الاجتماعية، هو في حقيقته منجز وهمي أو مُقلد أو مستنسخ عن سابق له، وهو ما يعني فقدانه للمؤثرات الحقيقية الناتجة عنه لإحداث ردود أفعال إيجابية، من شأنها دفع عجلة التغيير للأفضل وليس العكس، وما يحدث في مجتمعاتنا العربية، ما هو إلا نتيجة لتلك الثغرات المنطقية، التي نتجاوز عنها ببرود لا مثيل له، ونترك شأن دورانها وحوادثها للصدفة والغيب، على الرغم من إمكانية التنبؤ بكثير من النتائج التي يمكننا رصد وقوعها قبل أوانها، بناء على المعطيات المتوفرة لنا، وسن القوانين والتنظيمية لممارسة استخدامها والتعاطي معها، ومن تلك التقنيات الجديدة التي لم نحسن استخدامها من وجهة نظري، أجهزة الاتصال "الهاتف المتنقل المحمول"، وبعض البرامج المهتمة بأمر التواصل الاجتماعي كـ"تويتر وفيسبوك"، لكن أكثرها تأثيرا في الوقت الراهن على الإطلاق كما أظن، هو برنامج التواصل الاجتماعي "واتس أب"، هذا البرنامج الذي قلب قواعد اللعبة رأسا على عقب، بالنسبة لشركات الاتصالات أو لفكرة التواصل الاجتماعي في كل المجتمعات الإنسانية كافة، ليبقى أمر التعامل معه بالطريقة السليمة، أمرا تفرضه مستويات الوعي بالمنتج من مجتمع إلى آخر، وهو ما نعاني من نقصه والحاجة إلى استيعاب وجوده.

خلال العامين الماضيين، فجعت بموت كثير من الأصدقاء والأقارب، وممن أعرفهم بسبب تهاونهم ـ رحمهم الله ـ في تقدير خطورة ما بين أيديهم، وما يمكن أن يسببه من ألم وتعب لذويهم ومحبيهم، وبشهادة من كانوا معهم على الطرف الآخر أوقات رحيلهم عن الدنيا، ليس هذا اعتراضا على قضاء الله وقدره، ولكنه تذكير بأهمية إدراك خطورة الفعل الذي تقوم به في اللحظة الخطأ، أو بالأحرى في الوقت غير المناسب، لينتج بعده ما يؤلم النفس ويوجع القلب سنين عددا، وغير تلك الحوادث الأليمة التي تراهن على الحياة، هناك الحوادث الأسرية الخاصة، وما يتبعها من ردود أفعال مختلفة تكون نتائجها كارثية في الغالب، تصل في معظمها إلى الانفصال الأسري بين الزوجين "الطلاق"، وهو قمة انهيار الروابط العائلية البشرية بين الأفراد ـ حسب بعض علماء الاجتماع التقليديين ـ وأوافقهم شخصيا على ذلك المذهب. ولكم أن تستعلموا عن الإحصاءات المهتمة برصد الحوادث المختلفة "سير مركبات، أو مشكلات أسرية، أو مشكلات عنف اجتماعي" على مستوى العالم العربي تحديدا، لتعلموا عن الارتفاع المخيف في نسب تلك الحوادث، التي يتسبب بها الاستخدام الخاطئ لبرامج التواصل الاجتماعي وتقنية الاتصالات الحديثة.

يحدث ذلك بسبب إهمالنا لجوانب عدة من شأنها مساعدتنا للتواصل مع التقنية بثقة، وسوء تقدير لما هو بين أيدينا وتقاعسنا عن بذل جهد كاف لفهم هذا الجديد، وكيف يمكننا تسخـيره للمصلحة والانتفاع الشخـصي والعام، بدلا من جعله نقمة ووبالا يجعلنا مكان سخرية الآخر، فلا "تتواتسوا ولا تتفسبكوا ولا تتواترو" إلا حـين تـأمنون، رحمكم الله يا عـرب.