لا نقول جديدا إن أثنينا على قرار خادم الحرمين الشريفين في حصر الفتوى في هيئة كبار العلماء، فالقرار يضاف لسجله الذهبي – أطال الله عمره – وتدخله الذي حسم الأمور للصالح العام واستقرارها وضبط الصلاحيات وإلزام كل بما يعنيه.
جاء في وقته مثلجا للصدور التي أدماها الجدل الصاخب بين بعض علمائنا الأفاضل الذين لم يحسنوا التحاور وإدارة الاختلاف فتحول لخلاف مؤسف أوقعهم في خضم الحرب الكلامية التي لا تليق بوقارهم وما ينبغي أن يكون عليه حديث العلماء من سمت ووقار وهدوء وسمو، فكان المنتظر من ولي الأمر ورجل المواقف المشهودة أن يقول كلمته الفصل ويقطع أسباب الاختلاف من جذورها!
ومن ناحية أخرى فمن حسنات هذا القرار الحكيم أنه دليل واقعي يثبت لمن يلتبس بمسألة ولاية الأمر أن ملك البلاد هو ولي أمر الجميع بمن فيهم كبار العلماء، وهو من يدان له بالسمع والطاعة من قبل الجميع، وهو ما يقره له كبار العلماء الذين يبايعون بالسمع والطاعة والذين يتولى – حفظه الله - تعيينهم وعزلهم ونصحهم وتوجيههم كجزء من رعيته، إلا أن مناهج وزارة التربية والتعليم لا تزال تحوي ما يتعارض مع هذا الأمر الخطير، فتجعل العلماء شركاء مقدمين في ولاية الأمر بما نصه: (ولاة الأمر هم العلماء والأمراء)، وهذا أمر بالغ الخطورة وينبغي أن تبادر الوزارة في تصويبه، فولاية الأمر ليست للعلماء، وهذا الطرح يشتت أمور الولاية في عقليات النشء وضرره فادح وخطره كبير، فكل له شيخه وكل له طائفته، وأمور البيعة والولاية والسمع والطاعة ليست مجال اجتهادات وتخرصات وانتماءات يحددها الميل والتوافق الفكري أو المذهبي، ولا يكون الاستقرار إلا بمرجعية واحدة للولاية، فشروح ولاية الأمر في مناهج الوزارة تعتبر ثغرة خطيرة لاختراق الحاجز الأمني في نفوس النشء الهشة وتسهل التأثير عليهم والعبث بمعتقداتهم وتسييرهم وتسييسهم دون أن يشعروا، حيث تستغل مثل هذه الأطروحات المثيرة للبس في تشتيت ولائهم واختيار ولاتهم. هذه الشروح لا ينبغي أن تخرج عن السياق الواقعي الذي يكفل لطلبتها أن ينشؤوا مستقرين مطمئنين تحت ولاية شرعية موحدة يدينون لها بالولاء والسمع والطاعة، ويجب أن تكون النصوص التي يدرسها النشء واضحة جلية لا تقبل اللبس والاحتمالات، أبية على الاستغلال المغرض.