في الذاكرة البصرية لأكثر من أسبوع، ينام بين جفوني خبر صغير عن رقم يشير إلى أن عدد حراس الأمن من الشركات المحلية الخاصة، من السعوديين يصل إلى 95 ألف حارس أمن. ومرة أخرى سأكتب للتأكيد: نعم 95 ألف سعودي في فتات وكذبة هذه الوظيفة. ومرة ثالثة كيف سنقرأ هذا الرقم المخيف لعشرات الآلاف من أبنائنا في أسوأ الظروف وأدنى المرتبات، حيث وبالبرهان، يقبض عشرة من كبار موظفي إحدى أكبر شركاتنا الوطنية في الشهر الواحد ما يوازي كل ما يحصل عليه خمسة آلاف موظف أمني خاص على بوابات هذه الشركة، ولدي كل الورق الرسمي للإثبات. ماذا يعني وجود 95 ألف مواطن سعودي على فتات وكذبة مثل هذه الوظائف؟ هم بالتقريب ضعف عدد الجيش الأميركي الذي احتل دولة مثل العراق ولكن بمهمة بسيطة: رفع الماسورة أمام بوابات الحراسة وبراتب ألفي ريال في الشهر. هم بالنسبة المئوية يشكلون ما يقرب من 5% من حجم قوة العمل الرسمية في قوائم الموارد البشرية بهذا البلد، وبراتب ألفي ريال في الشهر. هم بالأرقام ثلث رقم البطالة الوطني المعلن براتب ألفي ريال في الشهر.
وأنا على الدوام أكره (الكذبة) الكبرى باسم الوظيفة. أكره أن نضحك باسم النظام والأوراق على عشرات الآلاف الذين لا يشعرون أبداً بالأمان الوظيفي. أكره أن يعيش هؤلاء الآلاف على الشعور (المؤقت) الكاذب أنهم في هذه الوظيفة إنما يعبرون أشهراً مؤقتة حتى تأتي الوظيفة. أستحيي من نفسي لأن وظيفتي الجامعية تعادل على الأقل رواتب عشرة شباب من حراس الأمن على عشر بوابات لذات الجامعة. أتوارى خجلاً لأنني أكتب اليوم تحت ضغط صديق محسن كريم يشرح لكم مع هؤلاء الشرفاء من حراس الأمن تجربته البسيطة: تسعة من عشرة حراس أمن شرفاء في أماكن مختلفة يقبلون من يده المحسنة صدقة بسيطة. لا يمكن لخمسة وتسعين ألفا أن يكونوا في هذه الكذبة الكبرى ولن نقبل أبداً أن يضطر هؤلاء لقبول الصدقة. لا يمكنني أن أهضم أو أستوعب قصة هذه المليارات الطائرة إلى كل مكان ثم أكتشف أن 95 ألف سعودي يشتغلون لشهر كامل من أجل ألفي ريال. هذه مهزلة.