الإصلاح ومدّ يد المساعدة على المستوى الدولي لا يقتصر فقط على تقديم الأموال والقيام بالمفاوضات السياسية. المساعدة لتقديم العون للدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية قد تبدأ من خلال تمكين الشعوب ذاتها للنهوض مرة أخرى لتحقيق التنمية المستدامة دون الاعتماد على الغير.
تطوير التعليم الدولي هو مجال يقتصر بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية واللاربحية، والتي تختص برفع جودة التعليم في الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية أو سياسية أو كوارث طبيعية، وذلك بهدف تمكين الأجيال الصاعدة من النهوض باقتصاد الدولة مستقبلا دون أي دعم خارجي. تمد الجامعات مثل هذه المنظمات بالمتخصصين في العمل في الثقافات المختلفة.. تكييف المناهج بناء على المتطلبات المحلية، تدريب المعلمين، تفعيل دور التعليم في حل النزاعات، التعليم من أجل تحقيق السلام ودعم حقوق الإنسان واللاجئين وغير ذلك من الأهداف. بدأت هذه الدراسة كبرامج ماجستير ودكتوراه في الولايات المتحدة منذ خمسينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين بدأ العمل في مشاريع مثل تطوير المناهج الدولية وإنشاء المدارس وتقييم العمليات والسياسات التعليمية على النطاق الدولي لتحقيق التنمية المستدامة لدى الدول المعنية. الفكرة الأساسية من هذا النوع من العمل هي دراسة وتطبيق طرق تمكين الشعوب المنكوبة للنهوض مرة أخرى، ويتم ذلك من خلال تفعيل دور كافة مؤسسات التدريب والتعليم بهدف تثقيف الشعوب وتمكينها من تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. من بعض الأمثلة لهذه المنظمات "اليونسكو" و"اليونيسف" و"البنك الدولي" من خلال مبادرة "التعليم للجميع" وغيرها من البرامج التعليمية لمعالجة الاضطرابات التي تنشأ لدى الأطفال بسبب الحروب والفقر والاستبداد.
بالنسبة للمنظمات الدولية ذات الأصول العربية والإسلامية والتي تنتمي لها المملكة، مثل "منظمة التعاون الإسلامي" و"جامعة الدول العربية"، فإنها تعمل بشكل عام في أعمال الإغاثة في الدول المتضررة، مثل الصومال، وحل المشاكل السياسية مثل اضطهاد المسلمين في ميانمار والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. لكن عند النظر لدور مثل هذه المنظمات على مستوى التعليم والتمكين، فإننا نجد في دورها قصورا كبيرا في مخاطبة عقول وإمكانات الشباب العربي/ الإسلامي من خلال المؤسسات التعليمية.
من المبادرات العربية النادرة والتي يشاد بها مشروع "مدرستي فلسطين" لإصلاح وتطوير المدارس في القدس الشرقية وذلك برعاية جلالة الملكة رانيا العبدالله، حيث تعنى بإصلاح البنية التحتية للمدارس وتدريب وتمكين الطاقم التعليمي بأحدث طرق التطوير والتعليم.
قد يربط البعض نظرية المؤامرة بالعمل الدولي في مجال التعليم، وذلك صحيح في بعض الحالات القليلة. فمثلا، عندما طورت أميركا المناهج الأفغانية أثناء الاحتلال السوفيتي في الثمانينات، كان الطلاب يقومون بعمليات الجمع والطرح باستخدام الرصاص والمسدسات المرسومة، عوضا عن جمع التفاح والبرتقال في أوراق العمل المعتاد عليها في الرياضيات. كانت الأمثلة المستخدمة لتعليم اللغة تحوي تحريضا صريحا ضد النظام الشيوعي من خلال الجهاد الإسلامي. بالتأكيد التواجد في دول مستضعفة قد يدعم أجندة سياسية معينة، لكن هذا لا يعني عدم وجود نية صادقة لدى أغلب المنظمات اللاربحية في دعم ومساعدة الغير دون أي تدخلات وتطبيق للمصالح السياسية للدول الداعمة.
نظرا لكافة الظروف التي تمر بها الدول العربية حاليا خصوصا بعد الربيع العربي من اضطراب سياسي وفقر وبطالة، أصبح من المستحيل إغفال دور التعليم كوسيلة تدعم تحقيق الاستقرار بشكل مستدام. لطالما لعبت المملكة دورا كبيرا في حل العديد من الأزمات في الساحة العربية، لكنها اكتفت بشكل كبير بالتبرعات والمحادثات على مستوى الحكومة فقط. وبالرغم من أهمية هذه الخطوات لبناء مستقبل أفضل، لكنه حان الوقت لأن تلعب الدور المتوقع منها في حل المشاكل قبل وقوعها والتدخل بشكل أكبر في استثمار طاقات الشباب في الدول المعنية من خلال نافذة التعليم.
توجد العديد من الأسباب التي حدت من دورنا في ذلك، أهمها ضعف وتردي مستوى مخرجات التعليم العام والتعليم العالي، إذا لم نتمكن من حل مشاكلنا التعليمية إلى حد ما فلن نملك القدرة أبداً على حل مشاكل غيرنا ومساعدتهم على تجاوزها. اقتصر دور الحكومة لدينا على الرفع من مستوى التعليم من خلال ضخ المزيد من الأموال كوسيلة للوصول إلى حل دون التدخل على مستوى تجديد الفكر التعليمي بما يتناسب مع تطلعات الدولة المستقبلية. لهذا، يبدو من المنطقي جدا أن أي تدخل دولي من قبلنا سينتهج نفس الطريقة التي رضينا بها لأنفسنا، وغالبا سيحصد نفس النتائج المتواضعة التي نواجهها حاليا. ندرة المتخصصين في مجالات الإغاثة والتعليم الدولي عائق آخر تواجهه المملكة في حال رغبت الخوض في هذا المجال. أيضا، لا توجد لدينا ثقافة محلية تدعم وتشجع الشباب لقبول مشاريع في دول فقيرة مثل الصومال والنيجر.
عندما لا نمارس دورنا في مجال تطوير التعليم الدولي، نفقد قوتنا ومصداقيتنا في الاعتراض على الجهود الأجنبية التي دخلت الفصول ودربت المعلمين وغيرت المناهج، نكتفي حينئذ بالامتعاض والحديث عن المؤامرات دون أي مبادرة فعلية من قبلنا. عندما تملك إمكانات كبيرة مثل السعودية، فالمتوقع منك يصبح - تلقائيا - كبيرا، وهذا الدور الكبير لا يجب أن يقتصر فقط على التبرعات السخية بالرغم من أهميتها، إنما التدخل والاستثمار في عقول وإمكانات الشباب، وذلك أهم وأفضل تبرع نستطيع تقديمه للغير.