قابل رئيس الوزراء العراقي الدكتور نوري المالكي الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الجمعة (1 نوفمبر) بهدف الحصول على مزيد من المساعدات العسكرية للتعامل مع الوضع المضطرب في العراق. ولكن قبل وصوله إلى واشنطن، قام ستة من أهم أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بإرسال خطاب شديد اللهجة إلى أوباما ينتقدون فيه سياسات المالكي ويتهمونه بالإسهام في التأجيج الطائفي في العراق.
وقع الرسالة عضوان من الحزب الديموقراطي وأربعة من الحزب الجمهوري، يشكلون في مجملهم قيادات مجلس الشيوخ في الشؤون الخارجية والعسكرية. والديموقراطيان هما روبرت مننديز، رئيس لجنة الشؤون الخارجية، وكارل لفين، رئيس لجنة القوات المسلحة. أما الجمهوريون فهم بوب كوركر، ممثل الحزب في لجنة الشؤون الخارجية، وجيمس إنهوف ممثلة في لجنة القوات المسلحة، بالإضافة إلى العضوين المخضرمين جون ماكين وليندزي جراهام اللذين زارا المنطقة مؤخراً ولهما اهتمام خاص بشؤونها.
ولم تكن هذه الرسالة الصريحة ما كان المالكي يأمل في تلقيه من ترحيب في واشنطن، ومن الواضح أنها رسالة أراد بها أعضاء المجلس تحذير الرئيس العراقي بأن دعم أميركا له سيعتمد على مدى تغييره سياساته الطائفية والمتفردة بالرأي.
وفي بداية الرسالة أشار الشيوخ إلى التدهور الحاد في الوضع الأمني، فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد حوادث السيارات المفخخة من (10) حوادث شهرياً في عام 2010، إلى (68) حادثاً في الشهر خلال عام 2013، كما أشاروا إلى إحصائيات الأمم المتحدة التي قدرت عدد القتلى في الحوادث الأمنية خلال عام 2013 بأكثر من (7000) قتيل، وهو الأسوأ منذ عام 2008.
ثم قال الشيوخ: "إن الإدارة السياسية السيئة للمالكي قد أسهمت في هذا التدهور، بسبب تبنيه أجندات طائفية وديكتاتورية. فالرئيس المالكي وحلفاؤه قد أقصوا السنة العراقيين سياسياً، وهمّشوا الأكراد، وأبعدوا الكثيرين من الشيعة الذين يطمحون إلى مستقبل ديموقراطي تعددي للعراق يشمل الجميع. وقد دفعت هذه السياسات الفاشلة بالكثير من السنة العراقيين إلى أحضان القاعدة، مما أسهم في زيادة وتيرة العنف، وزيادة التطرف في المجتمع الشيعي وإعادة تجمع وتعبئة الميليشيات الشيعية. وهذه الظروف تشبه الظروف التي دفعت بالعراق نحو الحرب الأهلية في الماضي، وتهدد بحرب أهلية جديدة".
وحثت الرسالة الرئيس أوباما على أن "يوضح للمالكي التأثير السيئ لإيران على الحكومة العراقية، وأن ذلك أصبح مشكلة في العلاقات الأميركية- العراقية، خاصة في الكونجرس". وأشاروا على وجه الخصوص إلى أن "النظام الإيراني يستخدم المجال الجوي العراقي في نقل المساعدات العسكرية إلى سورية لدعم قوات الأسد".
وأضاف الشيوخ: "يجب أن نرى دلائل واضحة من المالكي بأن المساعدات العسكرية الأميركية ومبيعات الأسلحة هي جزء من استراتيجية شاملة تعالج الأسباب السياسية للعنف وتسعى إلى إعادة السلام إلى العراق". و"أن التحديات التي يواجهها العراق لا يمكن حلها عسكرياً، كما تعلمت الولايات المتحدة ذلك الدرس الصعب في العراق، بل إن استخدام الحلول العسكرية للمشاكل السياسية إنما يزيدها سوءاً".
ودعوا أوباما إلى أن يؤكد للمالكي أن دعم الولايات المتحدة مشروط بتبنيه وتنفيذه استراتيجية سياسية صحيحة لحكم العراق. وأن من "الضروري أن يُشرك المالكي معه في الحكم وفي موارد البلاد السنة العراقيين، وأن يتصالح مع قيادات السنة".
وفي إشارة إلى الانتخابات السابقة المثيرة للجدل، دعت الرسالة إلى "التزام واضح بأن الانتخابات المقرر إجراؤها العام القادم ستكون حرة ونزيهة، تشمل كل مكونات المجتمع العراقي، وأن يتم التحضير لها بالشكل المطلوب".
وختموا الرسالة بقولهم "إذا استمر المالكي في تهميش الأكراد والكثير من قيادات الشيعة، ومعاملة معظم السنة كإرهابيين، فإن المساعدات العسكرية مهما بلغ حجمها لن تستطيع تحقيق الاستقرار والأمن في العراق".
وأحد أسباب إحساس أعضاء مجلس الشيوخ بالمسؤولية حيال تدهور الأوضاع أن رئيس الوزراء العراقي جاء لمنصبه في عام 2006 بدعم أميركي، على الرغم من أنه وحزبه لم يحصلا على أعلى نسبة من الأصوات في تلك الانتخابات، وأنه اتبع منذ توليه المنصب سياسة تفرقة تقوم على التحزب والطائفية والانفراد باتخاذ القرار، على النحو الذي وضحته رسالة الشيوخ.
ومما يزيد من مسؤولية أميركا أنها وقعت، قبل انسحابها من العراق في عام 2011، عدداً من الاتفاقيات تلتزم فيها بأمن العراق ودعمه عسكرياً، مقابل شروط تحكم ذلك الدعم، بما في ذلك "الاتفاقية الاستراتيجية الإطارية" لعام 2008، واتفاقات استخدام الأسلحة الأميركية.
وبسبب تلك الاتفاقيات، ونظراً إلى أن أميركا هي المزود الرئيس للعراق بالأسلحة، فإن الكثيرين ينظرون إلى الحكومة الأميركية كشريك للمالكي في سياسته نحو التعامل العسكري مع معارضيه، وهو يستعد لانتخابات 2014 ويسعى لضمان فوزه مرة أخرى.
فمما ساهم في تدهور الأوضاع الأمنية الطريقة التي تعاملت بها حكومة المالكي مع المظاهرات في منطقة الأنبار وغيرها من المناطق ذات الأغلبية السنية. فلمدة عدة أيام خلال الجزء الأخير من أبريل، قامت قوات النظام بمحاصرة نحو 4 آلاف من المحتجين في بلدة (الحويجة)، وقطعت عنهم الغذاء والماء والعناية الطبية، وفي يوم الثلاثاء (23 أبريل)، قامت بمهاجمتهم بالذخيرة الحية والدبابات والمروحيات، مما أدى إلى مقتل أكثر من خمسين متظاهراً وجرح مئة وخمسين.
واتضح أن هجوم القوات العراقية على الحويجة كان جزءاً من خطة أكبر لإنهاء الاحتجاجات في المناطق السنية، التي حظيت بدعم عدد كبير من العراقيين من مختلف الطوائف. وساهمت تصريحات المالكي وقتها في تأجيج المشاعر الطائفية في العراق.
ولذلك فإن أعضاء مجلس الشيوخ محقون في التحذير من أن سياسات المالكي الحالية تفرّق العراقيين ولا تجمعهم، وأنه يستخدم القوة والسلاح الأميركي لتنفيذ تلك السياسات، وأنه بذلك ساعد تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية على استعادة قوتها في العراق.
ولا تخفى المفارقة في أن رئيس الوزراء العراقي يسعى إلى الحصول على دعم عسكري من واشنطن لدعم نفوذه، في الوقت الذي تؤدي سياساته إلى تمكين إيران في العراق، وتساعد على إطالة عمر النظام السوري، في تحدٍّ واضح للسياسات الأميركية المعلنة تجاه إيران وسورية.