عانينا كثيرا في عملنا الصحفي من الجهات والأفراد وبعض (الملاقيف) الذين تزعجهم كاميرا التصوير، فتارة يسحبونها، وتارة يكسرونها، وتارة بأيديهم يسدون عدساتها، وكان الحق دائما معهم أمام أي جهة يمكن اللجوء لها شاكين، والحقيقة أنه نادرا ما يمكنك الشكوى، أو الجرأة على ذلك.
كانت الصورة بما تحمله من إثباتات وأدلة إدانة تمثل حالة إزعاج وتهديد خطير لأولئك الذين يهمهم عدم ظهور الحقائق التي تكشف أخطاءهم وتقصيرهم، بل وتجاوزاتهم، ولذلك كانت لوحات التحذير من التصوير في إداراتهم ومناطق وجودهم أكثر من اللوحات التي تحمل عبارات الترحيب إلى أن صدرت توجيهات سامية تسمح بالتصوير بشكل عام، مع وضع ضوابط محددة لذلك، وعلى رغم صدور هذه التعليمات بلائحتها التفصيلية إلا أن الكثير من أعداء الصورة واصلوا محاربتهم وموقفهم العدائي منها، وفي هذه الأيام تتوالى الأخبار عن صدور أو على وشك صدور تعليمات تمنع التصوير وخاصة الفيديو، سواء كان بكاميرات احترافية أو عبر كاميرات الجوال، بعد ظهور عدة مقاطع لسعوديين وهم ينتهكون حقوق الإنسان بشكل أو بآخر، وكون مثل هذه المقاطع تم تداولها في كل مكان في العالم، ووقعت تحت بصر منظمات إنسانية ووكالات وقنوات عالمية، وبالتالي أساءت للمملكة ووضعها في مواقع محرجة.
والحق أن الأمر مضحك للغاية إن كنا سنمنع التصوير خوفا من ظهور ما نقوم به أمام الآخرين، لأننا بذلك نشجع المتجاوزين -أيا كانت مواقعهم ونوع تجاوزاتهم- على ارتكاب المزيد من الفظائع، كونهم أمنوا وأدركوا أن هناك نظاما يحميهم أو يساعدهم على ارتكاب ما يشاؤون، دون أن يتجرأ أحد على توثيق فعلهم.
الصورة والفيديو من أقوى وسائل الإثبات والإدانة، لكننا كالعادة نتخذ الكثير من القرارات والخطوات باجتهادات غير موفقة، فضلا عن أنها تكون مثار سخرية واستهزاء، والصحيح أن نتجاوز مرحلة ردود الفعل غير المثمرة ونبحث في الجذور والمسببات وما يناسبها من حلول، ونشجع كل من يمكنه أن يساهم بكاميرته في الحد من وقوع التجاوزات والأخطاء والفظائع، بدلا من التهديد بمحاسبة من يلتقط مثل تلك الصور.
أتمنى أن يكون القرار خاصا بمن يرتكب أفعالا لا إنسانية ويقوم بتصويرها ومن ثم بثها عبر النت ووسائل الإعلام الجديد وألا يتجاوز القرار هذا الجانب لينسحب على الصورة بشكل عام بما يضيق على الناس ويضيق على الحريات.