خلال الأسبوع الماضي، كانت هناك حرب دبلوماسية واقتصادية في الميدان الإسرائيلي- الفلسطيني: السلطة الفلسطينية بعثت رسائل إلى دول في أميركا اللاتينية وأوروبا، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية بالضغط على شركاتها لقطع العلاقات الاقتصادية مع المستوطنات الإسرائيلية، بحسب صحيفة فاينانشال تايمز. خلال رحلته إلى أوروبا في الأسبوع الماضي، قال الرئيس محمود عباس للصحفيين بعد اجتماعه مع رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فون رومبوي "إني أدعو الشركات الأوروبية والشركات الأجنبية التي لها علاقات عمل مع المستوطنات لوضع حد لنشاطاتها". على الجانب الإسرائيلي، استأنف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حملته الهجومية بالإعلان عن بناء 1500 وحدة سكنية جديدة لليهود فقط في مستوطنة رامات شلومو غير الشرعية في القدس الشرقية المحتلة، نتنياهو كذب حين قال إن رئيس السلطة الفلسطينية كان قد وافق على السماح بتوسيع المستوطنات مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين.
أكاذيب الصهاينة تستمر، لكن زيادة الضغوط الاقتصادية على المستوطنات تقلق إسرائيل.
في الأسبوع الماضي في واشنطن، تم تقديم المنظور الفلسطيني في 23 أكتوبر حين ألقى معن رشيد عريقات، سفير منظمة التحرير الفلسطينية إلى الولايات المتحدة، خطابا في الاجتماع السنوي أمام المجلس الوطني للعلاقات الأميركية- العربية، مع أن المحطة الهامة في المؤتمر الذي دام يومين، كانت الخطاب الذي ألقاه في اليوم السابق، الأمير تركي الفيصل، وانتقد فيه إدارة أوباما بسبب إحباطاتها في الشرق الأوسط، وقدم سفير منظمة التحرير الفلسطينية تقييما مثيرا للجدل للمفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
بعكس معظم التقييمات، قال السفير عريقات إن المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة لم تفشل، وإن اتفاق الوضع النهائي يمكن الوصول إليه بسرعة إذا كان الإسرائيليون مستعدين للتفاوض بنوايا حسنة. وقال إنه بناء على اتفاق مسبق، لا يسمح لأحد باستثناء وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بتقديم أي تصريحات علنية حول المحادثات ولا يسمح لأحد أن يكشف أي تفاصيل قيد النقاش، وشرح بأن المحادثات هي حصر على الوضع النهائي، وأن هناك تاريخيا نهائيا هو أبريل 2014 لإتمامها، بعكس الجهود السابقة، الوزير كيري ملتزم بإنجاحها.
لماذا كان السفير عريقات متفائلا إلى حد ما؟ قال للصحفيين إن الحالة الراهنة لنظام الفصل العنصري لا يمكن أن تستمر وأنها بالفعل تضر بموقف إسرائيل في العالم. اعتبارا من 1 يناير 2014، ستدخل الأنظمة الأوروبية التي تمنع أي تعامل مع الشركات الإسرائيلية العاملة في الضفة الغربية حيز التنفيذ.
في أحاديث سابقة، أعطى خبير استراتيجي إسرائيلي كبير مقرب من حكومة نتنياهو تقارير متفائلة أخرى حول المباحثات، لكن التفاؤل الإسرائيلي كان يعتمد على معادلة استراتيجية مختلفة تماما عن الآمال الفلسطينية. نتنياهو يطبق استراتيجية استعمارية شريرة هي "فرق تسد". عمليا، يعمل على أساس "حل الدول الثلاث". وهو مستعد بالتأكيد لتقديم تنازلات إقليمية محدودة للسلطة الفلسطينية للوصول إلى اتفاقية تغطي فقط الضفة الغربية، وهي المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. بالنسبة لنتنياهو، يجب أن تبقى غزة كيانا معزولا تحت سيطرة حماس، وتبقى معرضة للهجمات الإسرائيلية ولحصار مستمر. كما فعل البريطانيون في حالة أيرلندا، منحوا سيادة محدودة داخل المملكة المتحدة لأيرلندا، وحافظوا على الاحتلال العسكري وعلى حرب ذات كثافة قليلة ضد الإرهاب في أيرلندا الشمالية. سادت الحالة الأيرلندية على مدى سنوات – إلى أن استثمر الرئيس الأميركي بيل كلينتون كميات هائلة من الاستقلال السياسي في الانفصال عن اللعبة الاستعمارية البريطانية.
حاليا لن يتدخل أحد للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في غزة، لا تزال غزة سجنا كبيرا بلا خيام، حيث ظروف الحياة أصبحت أسوأ وأسوأ يوما بعد يوم. إسرائيل ستتفاوض مع حماس من أجل هدنة يمكن أن تستمر على مدى عقود من الزمن. في الواقع، فإن الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل منخفض حاليا، لأن حكومة حماس في غزة شنت حملة على الجماعات التي تقوم بشكل منتظم بهجمات صاروخية على المستوطنات الإسرائيلية التي على الحدود. علاوة على ذلك، بعد الإطاحة بحكومة محمد مرسي الإخوانية في مصر، تعمل حماس وجماعات أخرى مثل الجهاد الإسلامي على شن حرب ذات كثافة منخفضة في سيناء ضد الجيش المصري. الأوضاع هادئة نسبيا على جبهة غزة- إسرائيل، لكن ذلك لا يمنع إسرائيل من شن هجمات بالصواريخ على المناطق المنكوبة، مثل العملية "الدقيقة" التي شنتها إسرائيل في 28 أكتوبر.
ومن المفارقات أن خالد مشعل، عندما ذهب إلى أنقرة في أوائل أكتوبر المنصرم للقاء رئيس الوزراء التركي ورئيس استخباراته حكان فيدان، طلب تعهدا بالتمويل حتى تستطيع الحكومة في غزة دفع رواتب موظفيها دون الحاجة لتلقي ذلك بالكامل من إيران. مقابل ذلك، أوضح الأتراك أنهم غير مهتمين برؤية تقدم في محادثات المصالحة بين حماس وفتح. بعبارة أخرى، تفضل تركيا أن ترى المعسكر الفلسطيني مقسما بين الضفة تحت قيادة السلطة الفلسطينية وغزة التي تديرها حماس. على رغم الخلاف المستمر بين تركيا وإسرائيل، يتبع كل من البلدين سياسة ترقى إلى ما يمكن تسميته بحل الثلاث دول الذي يريده نتنياهو.
ومع أن حكومة نتنياهو لديها مصلحة استراتيجية في التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، إلا أنها لا تزال بعيدة عن التوصل إلى اتفاق.
في خطابه أمام المجلس القومي حول العلاقات الأميركية- العربية، ذكر الأمير تركي الفيصل، الحضور بأن مبادرة السلام العربية التي تقدم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كانت أيضا جزءا من الدبلوماسية المتجددة لجون لكيري. إسرائيل والعرب لديهم عدو مشترك يتمثل في إيران، وهم لا يثقون في نهج إدارة أوباما نحو محادثات (5+ 1) مع طهران في الوقت الحاضر، هذه نقطة جذب أخرى مضافة. ولكن نادرا ما تقود تحالفات مصلحية جيوسياسية إلى سلام مستدام ذي معنى.