لن يكون المقال عن قيادة المرأة، وإنما عن مواضيع وأمور أهم بكثير من حق قيادة المرأة السيارة، فهنالك العديد من الحقوق التي تحتاج المرأة ومحيطها أن توليها من الأهمية الشيء الكثير، لأن غيابها كما هو حاصل الآن يؤدي إلى عدد من التبعات الاجتماعية والفكرية السلبية السائدة في مجتمعنا، ليس موضوع قيادة المرأة سوى أحد امتداداته.
كلما استمعت لقضايا السيدات مع أزواجهن يطلبن مشورتي فيها، أجد أن المسألة أكبر من أن تحل بقرار أو نصيحة أو توجيه بشأن الوضع الأخير في علاقتها بزوجها، الذي يمثل في كثير من الأحيان القشة التي قصمت ظهر البعير، فينسب الحدث له بينما واقع الأمر أن هنالك العديد من التراكمات التي أدت لأن يظهر منه للقشة هذا الثقل.
لا أذكر كم مرة تأتيني امرأة تبكي حظها في أنها وبعد سنوات من العشرة والمعاناة توفر لزوجها ما يمكن له أن يبني به عش الزوجية، إذا بعش الزوجية يُبنى وإذا بها وقد تراكمت الخلافات والنقاشات بسبب الضغوط المالية التي واجهاها معا تكون أول الخارجين من هذا العش بعد الطلاق، دون أن يكون لها أي حق يذكر فيما بنته مع زوجها حجرا بحجر، وتبدأ إن استطاعت مسيرة البحث عن مسار جديد وحياة جديدة من مرحلة تقترب كثيرا من الصفر.
هذه الصورة ليست حكرا على ربات البيوت فقط، وإنما تتكرر بشكل مؤلم أيضا في حق الموظفات العاملات أو سيدات الأعمال أو من لهن من المال نصيب لسبب أو لآخر، فتجد أنها تشقى وتتعب وتضع من مالها الخاص مع زوجها ما يعينهما على البناء والاستمرار دون توثيق للحقوق، إذ تأخذها العاطفة أحيانا والحياء أخرى أو الجهل بحقوقها في الغالب؛ لأن تعطي وتستمر في العطاء وكل شيء في ظاهره باسم زوجها دون أن يكون هنالك أي حق ظاهر لها، وحين ينتهي الأمر إلى الطلاق أو إلى أن تجد ضرتها تشاركها بذات النسبة وذات الاستحقاق البيت الذي بنته هي ليبدأ الندم على ما فرطت في حق نفسها، وتبدأ رحلة البكاء والدموع والبحث في الماضي عما يثبت لها حقها.
أقر الشرع للمرأة ذمة مالية مستقلة ليس لأحد سوى خالقها حق فيها أو أمر عليها، وهذا الاستقلال يستتبعه أنها مهما بلغت ثروتها وتنوعت مصادر دخلها، فإنها تبقى محصنة ضد الفقر والحاجة بلزوم الصرف عليها وتهيئة معيشتها وفقا لأصل مستواها الاجتماعي وفي حدود قدرة معيلها.
الحاصل اليوم في مجتمعنا إقرار لفظي باستقلالية الذمة المالية للمرأة وتعد حقيقي عليها بدءا من بعض الآباء والأزواج للأسف، وانتهاء بنظام معاشات التقاعد، والعامل المشترك في كثير من هذه التعديات هو نظرة الرجل في أن له من دخلها أوفر الحظ والنصيب واستغلال عاطفتها في فرض واقع الإعانة عليها دون تثبيت استحقاقاتها تجاه زوجها.
الإشكال الآخر الذي تواجهه النساء أنهن حين يبدأن مشوار المحاكم والمطالبات، تبدأ معهن قصة جديدة من المعاناة المتعلقة بمدد التقاضي والانتظار بين الجلسات؛ لتبقى المرأة سنوات طوالا معلقة بين أمل الحصول على شيء من حقها، وبين معاناة واقعها كامرأة مطلقة لمجتمعها دوما نظرته السلبية تجاهها.
أذكر قبل سنوات أن حدثتني سيدة ثروتها تبلغ أرقاما فلكية ولأبيها وعمها نفوذ وعلاقات على مختلف المستويات، تقول لي إنها انفصلت عن زوجها ولديها منه ثلاثة أبناء أحدهم مصاب بالتوحد، لم يمكنها من رؤيتهم منذ حدوث الطلاق. تقول هذه السيدة إنها تتحدث عن قضية مجتمع لا قضية فردية، فإذا كانت هي بكل ثروتها ونفوذها لم تستطع أن تسترجع حقها من طليقها فمن باب أولى أن يكون وضع من هن أقل يسارا منها أسوأ من وضعها.
طبعا ما بين قصتي البداية والنهاية سيفاجأ المرء بغفلة المرأة عن كثير من الحقوق التي تجهلها، أو تظن أنها ملزمة بعكسها بسبب السائد المجتمعي دون أن يكون لها حظ أو نصيب في التأهيل لأن تعرف حقوقها وتنال استحقاقاتها دون أن يضغط عليها المجتمع بالعرف والسائد، وتلك الكلمة القاتلة "عيب"!
تجهل المرأة كيف تكون نفقتها حقا وليس منة مهما كان مرتبها، كيف يكون حقها في المسكن، والخادم وتربية الأبناء بل وحتى الرضاع وما يتعلق به من استحقاقات، تجهل الفرق بين أن تعين زوجها فضلا ومنة أو حتى من باب الصدقة، وبين أن تقرضه المال للبناء أو أن تكون شريكة معه فيه على الشيوع، تجهل أنها حين تتنازل عن جزء من نفقتها له فهو دين في ذمته وكأنها أقرضته أو تفضلت عليه بمحض إرادتها. تجهل المرأة أن الكتابة في حقها أولى منها في حق غيرها وأنها من ضمن المخاطبين بقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه...الآية"
إن من أوجب واجبات المرأة في حق نفسها أن تتعلم ما هي حقوقها وأن تثقف نفسها بشأنها لكي لا تكون ضحية جهلها وإلقاء اللوم على عاتق مجتمعها.