كلّ مطار في العالم هو واجهة للبلد التي هو فيها، ولذلك ترى أشد البلدان فقراً و حاجة، تلك البلدان التي لا تعلم هل سيكون عندها ميزانية في السنة القادمة أم لا، نجدها تحرص أشد الحرص على أن يكون مطارها الأكبر، مطار العاصمة، واجهة مشرفة للدولة، فترى أن تلك الدول تبني مطارات شاسعة وعلى مساحات كبيرة جداً، تبدو و كأنها مدن صغيرة، هذه الدول لا تمول المطارت بنفسها و إنما تفتح المجال لشركات الخدمات العالمية أن تتنافس على شغر مساحة ولو صغيرة في ذلك المطار، فمهما كان المكان صغيراً في المطار فهو تجارة رابحة وعمل لا يتوقف، كما أن تلك الدول تحرص بقوة على نوعية الخدمة التي تقدم للمسافرين، فعندما تكون في مطار عالمي تجد أن رقياً محسوساً في الهواء، وتعاملا يتفضل على ما قد تلقاه في الشارع ولو كان في حي راق، أما مطارنا في الرياض فما زال حاله لا يزيد عن حال تأسيسه، سوى أنه سنة تأسيسه كان جديداً وكنا مغتبطين به أشد الاغتباط، أما اليوم فالمواطن السعودي يصل إلى مطار الملك خالد من مطارات تشع بالنور خلال 24 ساعة ليصعد لمواقف السيارات في مطارنا ليجد أن المواقف مظلمة وهناك مصباح يؤشر مضوياً تارة ومنطفئاً تارة، في إعلان عن نهاية عمره الافتراضي ولا أحد يرغب في إراحة ضمير ذلك المصباح، لا سوق في المطار ولا وسائل ترفيه يمكن أن تساعد في تقطيع وقت الانتظار الطويل في مطارنا العزيز، ولذلك أفضل قص كارت صعود الطائرة قبل الرحلة بـ 24 ساعة لكي أتوجه فوراً إلى الرحلة في موعدها، كل هذا أعرفه من قبل ولا جديد فيه، و إنما الجديد هو أنني اضطررت هذا الشهر إلى السفر في رمضان لغاية خاصة، فكان مما لفت انتباهي هو أن كوادر الخطوط السعودية تستهجن السفر إلى خارج المملكة في رمضان و تعلن ذلك بصراحة، فتجد من يرغبك في الصيام و أنت مسافر مع علمه أن النصوص الدينية واضحة في هذه المسألة " ليس من البر الصيام في السفر" لكنك تجد أن طاقم الطائرة يتطفل بعضهم لتنبيهك بأهمية الصوم و إن كانوا لا يستطيعون تجاوز الحقيقة القائلة إنه يجوز أن تأكل حال سفرك، المشكلة هنا ليست خاصة بالخطوط السعودية بل هي حالة ثقافية عامة تميل إلى التشديد و العنف، وقد ذكر الشيخ الفقيه ابن عثيمين قصة طريفة في بعض أحاديثه، أنه كان في الحرم المكي مرة في نهار رمضان يشرب الماء، فباغته شاب متحمس و أنكر عليه فعله ولم يقبل قوله إنه كان "مسافراً". إلا إن الحالة الثقافية العامة شيء، و ظهورها في أماكن لا تحتمل فيها شيء آخر، في السبت الماضي كنت قادماً من خارج الوطن، و إذا بي أفاجأ بموظف الجمارك الذي كان على رأس العمل في تلك الساعة يفاجئني بطلبه أن أفتح الحقائب، برغم أن الحقائب قد مرت على السير و تم تفتيشها بالأجهزة الدقيقة التي يعلم موظف الجمارك مدى دقتها، وهو يعلم تماماً أنه لم يكن هناك ما يدعوه للتفتيش اليدوي، ثم تبين أن موظف الجمارك ، وهو موظف سمين ظريف، يفوق في ظرفه عبد الحسين عبد الرضا، لديه ما يقوله ، قال لي : " من أين أتيت يا أخي؟ ما الذي جعلك تسافر إلى هذا البلد؟ تبحث عن رزق أم علاج هناك؟ أنا سبق وسافرت لها و ليس بها رزق؟ ".

بمثل هذه البجاحة التي لو وزعت على أهل بيت لكفتهم، يستقبل صاحبنا المسافرين،إلا أنني كنت أكثر صبراً منه، فأوضحت لأخينا خفيف الظل حدود عمله و ثقفّـته في واجباته وقلت له إن عمله ينحصر في تفتيش الحقائب و ما يحضره الركاب و يضعونه أمامه ، فإذا كانت تحتوي على ما تمنعه القوانين في المملكة، فإن من واجبه وليس حقه، أن يوقف المسافر، وأن يسلمه للجهات المختصة، أما أسباب سفر المسافرين والدخول في خصوصيات المسافر، فهو بلا ثمرة، بل يضر ضرراً بالغاً بسمعة هذا المكان الذي هو واجهة مهمة لبلدنا، قلت له ذلك و أنا أعلم في داخلي أن لا حياة لمن تنادي، لكن معذرة إلى ربكم.