من بين عدة ألقاب ارتبطت بالتشكيلي المصري محيي الدين اللباد (1940-2010) اختار صفة "صانع الكتب"، وهو عمل أخلص له تصميما ورسما ومتابعة حتى المراحل الأخيرة للطباعة، بهدف تقريب الفنون البصرية إلى القارئ العادي متخذا من بيت بشارة الخوري، الذي غناه محمد عبدالوهاب شعارا "إن عشقنا فعذرنا - أن في وجهنا نظر".
وبدأ مشروع (نظر) بباب نقدي مصور ومرسوم استعان فيه اللباد بلوحات ورسوم وكاريكاتير له ولفنانين عرب ومصريين في عام 1985 بصحيفة (صباح الخير) الأسبوعية القاهرية، التي كانت رمزا لقفزات تجريبية غير تقليدية في فنون الصحافة تحريرا وإخراجا متوسلة بالكاريكاتير واللوحات الفنية لرموز التشكيليين والشباب أيضا.
وحين فكر اللباد في جمع هذه المواد - التي نشر بعضها في صحف مصرية أخرى في فترة تالية - وجد حرجا في أن يسميها كتابا فأطلق عليها (ألبوم) وهو الاسم الأدق حين يتعلق محتوى "الكتاب" بصور ورسوم، ورأى أن ينشر المواد كما هي مع إضافة إيضاحات وتحديث معلومات تخص وقائع، كما في مذابح تعرضت لها البوسنة والهرسك في التسعينيات..
ففي أحد الرسوم الكاريكاتيرية للفنان المصري أحمد حجازي، يفتح رجل صحيفة ويقول بتأثر "البوسنة والهرسك" فترد عليه زوجته الجالسة بجوار باقة ورد.. "الأول بوسني وبعدين هرسك"، وفي الصفحة نفسها كاريكاتير رسم فيه حجازي ثلاثة رجال يتعاطون المخدرات أما الرابع فكان يبتسم وهو يقرأ في صحيفة "حملة للقضاء على المخدرات" فيعلق أحدهم..
"أمال إحنا بنعمل إيه؟.. ما إحنا برضه كل ما نلاقي حتة مخدرات نقضي عليها!".
واللباد الذي حصد كثيرا من الجوائز في معارض كتب دولية عمل مصمما لأغلفة الكتب، كما كتب ورسم كتبا للأطفال وجمع رسومه الكاريكاتيرية في كتب منها (100 رسم وأكثر)، وأسس مشاريع ثقافية وأشرف عليها فنيا ومنها تصميم الغلاف الأساسي لمشروع (كتاب في جريدة)، الذي صدر في عدة دول عربية.
ومجلد (نظر) الذي يضم أربعة ألبومات في كتاب واحد يقع في 550 صفحة كبيرة القطع، وأصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب بغلاف صممه الفنان التشكيلي أحمد اللباد، الذي قال في مقدمة عنوانها (صاحب البصر والبصيرة): "إن المؤلف كان همه الأول هو شرخ المستقر وإعادة الاكتشاف والخلق والتجديد وإعادة الثقة بثقافتنا الوطنية والقومية... كان (اللباد) بصر العين وبصيرتها مشروعه الكبير".
وقراءة مشروع (نظر) الآن تعطي نظرة بانورامية على تطور فنون الإخراج والطباعة، إضافة إلى بعد تاريخي ودولي في شؤون السياسة ومصائر الثوار والثورات وكيف تناولها الرسام، كما فصل (ثوريون لكن ظرفاء) وفيه يحتفي اللباد بصحيفة الكاريكاتير الفرنسية (صحن الزبدة)، التي صدرت عام 1901 وينقل منها رسما يصور "وجه ملك بريطانيا إدوارد السابع، مرسوما على المؤخرة العارية، فاحتجت عليه سفارة الحكومة البريطانية في باريس وأرغمت الصحيفة على جمع نسخ العدد من الباعة وطباعة مساحة زرقاء تغطي المؤخرة العارية".
ويقول المؤلف: إن الصحيفة لم يقتصر هجاؤها على فرنسا بل امتد إلى الأنظمة المستبدة في أوروبا وصولا إلى الإمبراطورية العثمانية بمشاركة "كوكبة" من الرسامين.
ويقدم اللباد جانبا من تاريخ الصحافة المصرية تحت عنوان: (بعد توت عنخ آمون.. الخواجات يكتشفون لنا صحيفة كاريكاتيرية مصرية قديمة) في إشارة إلى اكتشاف البريطاني هاوارد كارتر، مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، في مدينة الأقصر الجنوبية عام 1922، وهو اكتشاف أذهل العالم لأن المقبرة هي الوحيدة التي نجت محتوياتها من لصوص المقابر الفرعونية على مر العصور.
ويسجل أن صحيفة الكاريكاتير (جحا) الناطقة باللغة الفرنسية صدر عددها الأول في نوفمبر 1931، وكانت لسان حزب الوفد صاحب الأغلبية الشعبية آنذاك وتولى رئاسة تحريرها الرسام الإسباني المتمصر خوان سانتيز، "الذي افتتح لنا سكة الكاريكاتير على مستوى الاحتراف"، وكانت الصحيفة تهدف إلى نقل وجهة النظر "المصرية الوطنية" للأجانب. ويقول: "إن سانتيز أول رسام كاريكاتير يتولى رئاسة تحرير صحيفة كاريكاتيرية في مصر"، ويسجل أن الباحثة الفرنسية إيرين فينوليو، هي التي اكتشفت صحيفة (جحا) في بحث نشره مركز الأبحاث الفرنسي بالقاهرة.
ويرجح اللباد وجود مجلدات هذه الصحيفة في دار الكتب المصرية ويرجع السبب في عدم "تعرفنا" عليها إلى التعامل مع الكاريكاتير باعتباره "ليس من تراثنا الثقافي والسياسي الممكن إخضاعه للبحث والتحليل. ولعلنا لا نزال نعتبره مجرد بضاعة للاستهلاك اليومي".