مفارقة عجيبة حدثت مؤخراً في ذائقة المشاهد الأميركي، وهو بالطبع ما ينعكس على الفور على اتجاهات المشاهد العالمي، فعلى الرغم من طغيان مسلسلات التشويق والإثارة، المعتمدة على ثنائية الجنس والعنف، ورواج المسلسلات الكوميدية "المحشورة" بالنكت الخفيفة و"القفشات" غير المتناسقة، إلا أن مسلسلين تلفزيونيين مختلفين استطاعا أن يلفتا النظر إليهما، رغم اعتماد حبكتهما على أساس علمي حقيقي، ولم يجمعهما سوى أن أحدهما يعتمد على نظريات الفيزياء! والآخر على نظريات الكيمياء!
الأول هو السلسلة الكوميدية "نظرية الانفجار الكبير" الذي يواصل موسمه السابع بنجاحٍ مثير، معتمداً على مفارقات نظريات الحقول الفيزيائية المختلفة، والآخر مسلسل درامي متخم بنظريات وتطبيقات الكيمياء، وهو "التحوّل السيئ Breaking Bad"، الذي جعل الكثيرين يعيدون النظر في موقفهم السلبي من الكيمياء، ويتعرفون أكثر على عالمها الساحر! وللحقيقة فلقد كنت أكثر اهتماماً بالمسلسل الثاني، نظراً لكوني صيدلانياً، والكيمياء مكوّن أساسي لأي صيدلي.
بالطبع تناول النقاد هذه الظاهرة من عدة جوانب، كان أهمها التأكيد على أن "المحتوى" القوي والأصلي هو سيد الموقف، وليس نظرية: "الجمهور عايز كدا"، وأنه سوف يجذب الجمهور متى ما توفرت حبكة قوية وأساس علمي متين للأحداث، بغض النظر عن عمق الأفكار المطروحة. الجانب الآخر هنا، والذي غفل عنه النقاد الغربيون، لأنهم يرونه تحصيل حاصل، هو أن جودة العملين كانت نتيجة منطقية لإسناد كل مهمة لأهلها، فكما أن هناك مؤلفين للعمل، كان هناك مستشارون علميون متخصصون، وهناك أخصائيو خدع سينمائية، وهلم جرا.
للأسف، لا أستطيع تذكّر مسلسل درامي عربي واحد اعتمد الخط العلمي لأحداثه، ناهيك عن وجود إشارة علمية هنا أو هناك، بل إن أقصى ما وصلنا كان مسابقات علمية، تحولت مؤخراً لمنافسات للغناء والرقص، والله المستعان.