في سياق حديث طويل دار بيني وبين وكيل لإحدى الوزارات المهمة يوم أمس الأول، توقفت عند عبارة أوردها الوكيل عند مناقشتنا أسباب عدم رضى المواطنين عن معظم ما يقدم لهم، على رغم وجود وفرة مالية معتمدة لمعظم وزارات الدولة لما يقارب من عقد كامل.
العبارة تقول إن: "سقف توقعات المواطنين باتت مرتفعة"، وهذا من وجهة نظري كلام صحيح ودقيق، فالناس معها كل الحق فيما تتوقع وفيما تنتظر، فهي تعيش في مرحلة بدت فيها المعلومات الخاصة بالمصروفات المالية شبه شفافة وهي ترى وتلمس ما يدور حولها، ومن هنا تأتي المقارنات ومن ثم التوقعات.
الناس تتوقع الكثير عطفا على السيولة المتوفرة والتي بفضلها بعد الله سبحانه وتعالى، لا يصبح هناك مستحيل، فضلا عن أن هذه السيولة يفترض أن تحدث فارقا بينا وجليا في حياة الناس وفي المحيط الذي يعيشون فيه وحوله.
وعندما تكون هذه السيولة متوفرة منذ عشر سنوات تقريبا وبفائض سنوي كبير ويصاحبها توجيه من أعلى سلطة بضرورة الصرف بما يخدم المواطنين وينعكس على مستوى معيشتهم، فإن المواطن لا يلام ولا يعاتب كون سقف توقعاته لما يفترض أن يحصل عليه، عاليا، بل هذا هو الصحيح وهذا هو الطبيعي وإلا ما الفرق بين من لديه إمكانات ومن ليست لديه؟
من واقع تجربة عشناها كلنا ولمسناها كلنا، لاحظنا أن الكثير من المشاكل التي عانينا منها طويلا قد تيسرت ونجحت وسجلت انفراجا نوعيا يوم أن لجأنا إلى بيوت الخبرة العالمية، كل في مجال تخصصه وخبراته وتاريخه، ولم يكن ذلك ليتحقق إلا يوم أن اقتنع هذا المسؤول أو ذاك بأنه ليس من العيب في زمن التخصص، اللجوء لأهل الاختصاص للمساعدة والمشاركة في صناعة النجاح، وأنه لن يلتفت أحد لعبارة تقال هنا أو هناك من أن هذا النجاح ما كان ليكون لولا لجوؤهم لخبرات خارجية، بل بات من يأخذ بهذا المنهج – الاستعانة بالخبرات الخارجية- محل ثناء وتزكية وليس محل تعيير ولوم وهمز ولمز.
أقول وما دمنا تجاوزنا حساسية الاستعانة بالخارج، ما الحرج في أن تستعين بجهات خارجية متخصصة تدرس وضعنا من كل جوانبه وتقدم لنا مسببات حالة عدم الرضا شبه الدائمة لدى المواطنين، رغم هذه الوفرة المالية ورغم حجم المصروف منها، فلعلنا نصل إلى أصوات غير ما نسمعه من الداخل ومن الوزارات تحديدا، فأنا على يقين أن لدينا مشكلة كبيرة جدا في هذا الجانب، وتتجاوز هذه المشكلة الفساد المالي والإداري الذي تتصدى له (نزاهة)، فربما هنالك مشكلة في كيفية التعاطي مع هذا الصرف إعلاميا، فمواطن لا يجد مسكنا خاصا به لن يقتنع مطلقا بصرف مئات الملايين على إعادة سفلتة شوارع قائمة وبحالة جيدة أو إعادة بناء أرصفة واستبدال أعمدة إنارة قائمة بأخرى جديدة، وهناك من الأمثلة ما لا يمكن حصرها وهي في المحصلة ما يوجد بعضا من حالة عدم الرضا تلك.