نشرت صحيفة الوطن في عددها الصادر بتاريخ 10/8/2010 خبرا بعنوان: "مسنّة تنتظر رد التمييز على حكم بنشوزها" جاء فيه أنّ حكماً صدر من المحكمة العامة بجدة على سيدة سعودية في الستين من عمرها يعتبرها ناشزا لا سكنى لها ولا نفقة ويوجب عليها الانقياد لزوجها مضمّنا صرف النظر عن دعواها بفسخ عقد النكاح، لعجز المدّعية عن إثبات ما ادعته من تهديد المدعى عليه؛ كما أورد الخبر شكوى السيدة أنها معلقة منذ 17 عاما بسبب تكرار هذا الحكم برغم أنها أثبتت ضرب زوجها لها بتقرير طبي، كما ورد أيضا تعليق مستشارة قانونية يوضح أن الدعوى التي رفعتها المدّعية لا تحتوي على أية بينات تثبت ادعاءها حيث إن البينة على من ادعى ولم تمتلك المرأة أي دليل أو قرينة تدل على سوء معاشرة الزوج، وتنصح المستشارة القانونية السيدة أن تفتدي نفسها بالخلع لأنه ليس للقاضي أي سلطة في فسخ النكاح في حالة عدم إثبات أن الزوج به أي عيب من عيوب النكاح أو سيئ العشرة.
أترك موضوع الظلم الذي يقع على المرأة إذا ما طلبت الخلع لمقالة قريبة إن شاء الله، وسوف أحاول في هذه المقالة أن ألقي الضوء على الظلم الواقع على الزوجة المتهمة بالنشوز، وما قصّة هذه السيدة الستينية إلا إحدى القصص الكثيرة التي يضرب فيها الزوج زوجته تحت مبرر التأديب، وسواء أحضرت الزوجة تقريراً طبياً أم لم تحضر، فإنّ حقوقها تبقى ضائعة لأنّ الحقائق تقلب بسهولة في وطننا العربي بسبب سهولة شراء الذمم، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإني أذكر حالة امرأة عربية في بلد أوروبي تزوجت من رجل في بلد أوروبي مجاور، فكان لا يجد متنفسا لغضبه إلا بضربها وقد صدمتني الصور التي أرسلتها إلي وقد تغيرت خارطة وجهها وتلطع جسدها بالكدمات، ولما فعلت ما نصحتها به من رفع دعوى في بلدها الذي تحمل جنسيته نالت طلاقها وحصلت على تعويض مادي مجزٍ، لكن المال كله لا يعوض عن الكرامة التي تفقدها المرأة حين يمد الرجل يده عليها حتى لو بإشارة عنيفة.
اختلف الفقهاء في معنى الضرب، ومنهم من حاول تخفيف وقع الكلمة بأن المقصود به الهجر، وهذا التفسير غير وارد لأنّ الهجر يأتي في الدرجة الثانية، بعد الوعظ وقبل الضرب، علما بأن الجميع متفق على أن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي عدم الضرب وعندما غضب من نسائه هجرهن شهرا كاملا وفي الحديث الشريف:(لا يضرب خياركم).
سبق لي أن أسهمت في الموضوع بمقالة (تأديب الزوج الناشز) وهو ما يؤهلني له كوني طبيبة ولدي اطلاع على الأمراض النفسية، فقد ذكرت أن المرأة التي تضرب هي التي يكون علاجها الضرب، وهي المرأة المصابة بالمازوشية، فلا هي تفهم على زوجها بالنصح ولا هي ترعوي عن غيها بالهجر، ولا تلين له ولا تستسلم إلا بالضرب، وهذه إن أمكن علاجها نفسيا فهو أجدى لها ولزوجها، وذكرت بالمقابل أن الرجل أيضا بحاجة إلى التأديب إذا نشز، واقتبست من مقولات بعض الفقهاء أنّ تأديبه يعود للقاضي الذي قد يأمر بضربه أسواطا.
قضية المرأة الستينية جعلتني أعود إلى بعض كتب الفقه المتداولة هنا، فوجدت فيها ما يلي: (النفقة: وقد أجمع العلماء على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة)، (ومسقطات النفقة منها نشوز المرأة فإذا نشزت.. تسقط نفقتها) واعتراضي على هذا الكلام يأتي من عدة وجوه:
أولا: أن هذا العقاب لم يرد في آية النشوز ولا في غيرها، والنفقة من حق الزوجة ما لم يتم فسخ عقدها أو طلاقها، وحتى الطلاق البائن بينونة صغرى اختلف فيه الفقهاء هل لها نفقة أم لا، ومن يقول بنفقة المطلقة يستشهد بقوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف، حقا على المتقين)، فهي ليست معتدّة بل مطلقة طلاقا بائنا، فإذا كانت النفقة واجبة للمعتدّة في بيت زوجها وللمطلّقة طلاقا بائنا، فكيف تُمنع النفقة عن الناشز والتي هي ما زالت زوجة؟
ثانيا: الله سبحانه قال: (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) "سورة البقرة"، وبما أن الفقه يورد سوء خلق الزوجة كدافع للطلاق، فهذه المرأة الناشز والتي لم تهتم لغضب زوجها منها ولا لأساليبه التأديبية الثلاثة: (وعظ، هجر، ضرب غير مبرح)، هل هي امرأة يتمسك بها رجل كريم؟ فلماذا لا يطلقها؟ إذا كان يخشى مطالبتها بحقوق مالية فيمكنه أن يثبت نشوزها ويخرج من الحقوق كالشعرة من العجين.
ثالثا: إذا منع الرجل النفقة عن الناشز ولم تجد طعاما في بيت زوجها فسوف تخرج من بيته حتى بغير إذنه، لأنها بحاجة إلى طعام، فكأنه يدفعها لارتكاب خطأ آخر وهو الخروج دون إذنه من البيت، أو أنها سوف تقول للناس: إنه منعها من الطعام وهو ما يسيء إلى سمعة الرجل وتكبُر المشكلة وقد يصبح هو الملوم.
لا نفقة ولا سكنى، تعني منع الطعام عن المرأة ومنع السكنى فأين تذهب؟ وهل إذا خرجت من بيت زوجها لن تعتبر آثمة لأنها خرجت من دون إذنه؟ ومن أين تأكل فترة تأديب زوجها لها؟ أو لا تعتبر عقوبة كهذه من البغي الذي نهى الله عنه؟! وهو ليس بغياً على إنسان بقدر ما إنه بغي على شرع الله، فالتأديب على ثلاث مراحل، وآخرها الضرب، وإذا لم تستجب الزوجة الناشز فهي قد تجاوزت مراحل التأديب الذي يكون بين الزوج وزوجه ولا حلّ إلا بإدخال الحكمين، وإذا لم ينفع التحكيم فالطلاق (وإن يتفرقا يغنِ الله كلا من سعته) صدق الله العظيم.