حين نقلت لوالدتي -يحفظها الله- بالأمس بشارة المولود الجديد لشقيقي الأصغر، ردت فوراً وهي تتراقص من الفرحة (إزهم لي على خوك). وعلى الهاتف كانت الجملة الأولى إليه (سمَّه علي......). هي لا تعلم مثلاً، أنني أريد لولدنا الجديد أن يعيش زمنه بأسمائه وصفاته، مثلما لا تعلم أيضاً أنني أعرف أن اسمه (غسان) منذ بضعة أشهر.
والدتي في الحكاية مع الأسماء، كأنموذج، هي فكرة الفرد والمجتمع مع حتمية التغيير. عاشت أسرتي (الكبرى) قبل عقود، ولأكثر من خمسين عاماً وهي تداول الأسماء (كل أسمائنا) بين سبعة أعمام وعشر من عماتنا الفاضلات. أسماء مثل غاز (الفريون) المغلق في جوف المكيف. والفكرة اليوم، أنني لا أكتب أمي، ولا حفيدها الأخير: أنا أكتب حكاية الفرد والمجتمع مع حتمية التغيير. وخذ من الأنموذج أن شقيقي الأصغر، يعيش ومعه كامل الحق، مع الأسماء في عصر ما بعد الحداثة، رغم التزامه الصارم وتأهيله الأكاديمي الديني. وخذوا من المثال، أن تنقلوا صورة (والدتي) في رفضها للتغيير، من صورة الفرد إلى إطار المجتمع. تخيلوا لو أن (والدتي) بهذه الصرامة وهذا الانغلاق جمهورية عربية مستقلة. والدتي مثلاً، كجمهورية عربية مستقلة، ترفض أن نستقدم لها عاملة مسيحية من الفلبين، لأنها لا تستوعب أبداً أبداً أبداً أن تتفاوض مع (دولة نصرانية). والدتي، مثلاً، لن تستطيع أن تستوعب كيف لها أن تنطق اسم (غسان) لأنني متأكد تماماً أنها كجمهورية مستقلة لم تنطق هذه الأحرف الأربعة متراصة خلف بعضها البعض لثمانين عاماً خلت. والفارق المذهل بين العرب وبين حتمية التغيير: أن هذا (الغسان) سيكون هذا المساء في أحضان هذه الجمهورية العربية المستقلة. تقبِّله وتحضنه وهي لا تستطيع أن تنطق اسمه.. والدتي مع حفيدها الجديد لا تشبه إلا كل جمهورية عربية ومجتمع عربي مع كل فكرة جديدة: تعارض القنوات الفضائية وترفض الإنترنت وتنظر بالريبة للجوال ولا تعرف كيف تنطق (الواتس أب) ولا (الفيسبوك): لكنها كل مساء تحتضنه وتخشى عليه.