بعد تقدم العلم وتطوره وما رافقه من تغيرات جذرية لبعض الحكومات والأنظمة تغير الحال كثيرا، فتعددت الأحزاب وتنوعت الجماعات، فكثرت تبعا لذلك وسائل الإعلام المختلفة، فلكل حزب وجماعة فكرة وأيديولوجية يتبناها يسعى من خلال وسائل الإعلام إلى بيانها ونشرها، وإن كان أكثرها لا تعدو عن مزايدات انتخابية من أجل كسب ثقة الناخب وبسط فكره وسياسته عليها، فتجد الحزب الواحد يتكون وينشأ في الغرب ولكنه سرعان ما ينتقل وينتشر في الشرق وغيره، وما يهمنا هنا هو الغرب وديمقراطيتهم الكاذبة الزائفة التي صدروها لنا وتفاخروا بها وكيف أنهم يتعاملون بازدواجية مع الأحداث التي تهمهم وتهمنا، وخذ مثالا على ذلك ليس بالبعيد، بل هو قريب وقريب جدا، وهو تفجيرات بوسطن التي وقعت في أميركا مؤخرا، فنجد أن الغرب بأكمله وبمختلف طبقاته وأشكاله من إعلاميين, وسياسيين, وعسكريين، ومثقفين وفنانين ورياضيين...إلخ، قد أدانوا واستنكروا هذه التفجيرات الإجرامية التي راح ضحيتها شخصان أو ثلاثة، والجرحى أكثر من مئة بقليل. ومقدما أني أدين هذا الفعل وأستنكره، ولكن هو مثال لما أريد أن أوصله للعالم، فهذا الفعل مدان شرعا وعقلا وعرفا، وباطل ولا يحتاج دليلا على بطلانه، ولكن ما أذهلني هو تعظيم شأنه وإعطاؤه حجما أكبر من حقه ومقداره.

وما أدهشني أكثر هو سرعة تحرك الأجهزة الأمنية بكل أنواعها وإمكاناتها لكشف تفاصيل الجريمة ومن يقف وراءها، وخلال وقت قصير جدا تم كشف الجناة وملاحقتهم، وما زال التحقيق مستمرا لمعرفة بمن يرتبطون ومن يقف وراءهم. وكالعادة سرعان ما توجهت الأنظار نحو المسلمين وأنهم يقفون وراء الحادث، وهذا كله لا يهمنا بقدر ما يهمنا تجاهل العالم كله عما يحدث في سورية والعراق، فالدماء تراق في هذين البلدين يوميا وتحصد الميليشيات والمفخخات أرواح العشرات وربما المئات خلال لحظات، ناهيك عن المئات من الجرحى والمعاقين الذين أصبحوا عالة على المجتمع وعلى ذويهم.

يا أهل الغرب يا أهل الحرية يا من تنادون بالديمقراطية، لماذا تحركتم عندما تعلق الأمر بكم وبدمائكم ولم تتحركوا عندما تعلق الأمر بنا وبدمائنا؟ هل دماؤكم دماء ودماؤنا ماء؟ ولماذا لم تتهموا حكومتكم التي جئتم بها إلى العراق بالإرهاب على الرغم مما ترتكبه في حق شعبها من مجازر وانتهاكات؟ ولماذا تتهمون من قاتلكم لإخراجكم من أرضه بالإرهاب ولا تتهمون أنفسكم ومن حالفكم على احتلال العراق وقتل شعبه وتشريده وإنهاء دولته وحضارته وسلب ونهب ثرواته وخيراته؟ أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟ ولماذا صمت العالم كله عن مجازركم ومجازر حكومتكم إلى الآن؟ أليس هذه هي الازدواجية يا دول الديمقراطية؟ ولكنها الحقيقة وتأبى الحقيقة إلا أن تظهر، فديمقراطيتكم خبيثة.