حسنا، أربعون عاما مضت على رحيل من تبنى المنهج الديكارتي، وأحدث ارتجاجات عنيفة في الثقافة العربية مطالع القرن العشرين.

اليوم يستعيد المصريون والعرب أجمعين ذكراه، وهم ما زالوا في ذات المسافة من (الصراع) الذي لا معني له عند العقلاء، دون أن يحسموا أمرهم طيلة ما مضى من عقود، ولم يتحقق (مستقبل الثقافة) الذي حلم به حسين، أو تنقرض الأمية التي حاربها بإطلاقه مشروع التعليم المجاني للجميع، بل يلحظ المراقب دون أدنى صعوبة تقهقر الوضع عما كان عليه بدايات القرن الماضي، وتفاقم الأمية، بل صعودها إلى (أميات) لم تعد مقتصرة على أمية (القراءة والكتابة).

عندما يحتفي المصريون اليوم بالذكرى الأربعين على رحيل طه حسين، وهم يعيشون كل هذا الاحتقان بدءا من السياسي وصولا إلى الحالة الفكرية المضطربة، أتصور أنه يكون لزاما عليهم مراجعات عميقة، شديدة الصلة بما عرف بـ”الدولة العميقة”، التي تتكون من أرض وحكومة وشعب ومقدرات ومجتمع شديد المدنية قادر على التعاطي مع هذه المقدرات، وفقا لمعطيات العصر الإلكتروني الذي نعيش.

لكن المحزن والمحبط لأيما عربي، أن مصر – التي هي بالضرورة بوصلة للتقدم والتخلف العربي – لا زالت واقفة عند ذات الاحتراب الإيديولوجي الذي واجه طه حسين، وأقصاه من الساحة العملية، وجيش الحشود عاطفيا ضده. صحيح أن خصومه كلهم تقريبا طواهم النسيان، وبقي اسمه شامخا معرفا بلقبه الشهير “عميد الأدب العربي” لكن العقلية التي ناهضته ما زالت مستعرة، تناهض أيما تفكير عقلاني يحاول أن يستوعب أس مشكلاتنا الحقيقية كأمة، كان يفترض أن يكون لها وجود حضاري مؤثر في الحراك العالمي، خلاف ما نحن عليه من تقتيل ومفخخات، واحتراب، وتخوين، واحتقانات، ونبذ، ودسائس وضعف اقتصادي، وخواء علمي، وهشاشة إبداعية، ووهن إبداعي، أفضت لأن نكون كأمة ومجتمعات محط صداع وقلاقل للعالم، ودون أن نسهم بتقديم شيء في صناعة الفعل الحضاري للكون، ونحن أمة “اقرأ”.

لو تخيلنا أن طه حسين، عاد اليوم، ورأى الاحتفالية بأربعينيته، لربما صرخ في وجوه المحتفين، احتفوا بالعقل الذي غيبتموه طويلا، احتفوا بالتفكير الذي حثكم عليه قرآننا، انبذوا الترهات، والجدل حول الهوامش، واتجهوا نحو ما هو حقيقي وعميق، علكم تنهضوا من وكستكم التي طالت.