المسلسلات الخليجية أصبحت حقلا للسفالات والعلاقات المتوترة، حيث الابن يصرخ في وجه أبيه والبنت “تشخط “ في أمها، فيما يصول الخدم ويجولون، بينما الأطفال منفتحون على العلاقات منقطعون عن أسرهم، أسرى للإنترنت والانتهاكات البشعة.

لم يعودوا كما في كل المجتمعات أمثلة للبراءة والطهر، تحولت موديلات السيارات ونوعياتها لأبطال تتشارك في ذلك مع الأثاث المنزلي، صارت “الدراريع” و”الجلابيات” والانتفاخات والتهدلات والارتجاجات الجسدية أكثر أهمية من النص والأداء، حتى الممثلون المخضرمون الذين عايشوا تجارب ومدارس ومواضيع وكان لهم فيما سبق حضور وهيبة وموهبة انخرطوا في اللعبة، ولا ألومهم على ذلك، فأكل العيش يحب الخفية ويكره الثقل، تحولت شركات الإنتاج إلى شيء يعف الإنسان عن ذكره، غدا المنتجون باعة أجساد وملامح وهوى بصري، أدخلوا أصنافا بشرية لا يمكن أن تشاهدها إلا في شوارع المدن الخلفية، طبعا لا أعمم لكن هذا ما يحدث، الشاشة امتلأت بالمخجل والمكرر: جريمة، تفكك، طلاق، فراق، ظلم، محاكم، عنصرية وفوقية، وقتال من أجل المال والاستحواذ، وقبل ذلك وبعده الدموع حتى بات تعديل الخرائط والجيولوجيا واجبا بحيث يمكن تصنيف المسلسل الخليجي كأكبر محيط دمعي أو جزيرة للتوترات، هذا عدا الصراع الحيواني المؤطر بلغة تهديدية، حيث الغابة أقرب من أي شيء، عالم لا يمكن للبشر أن يعيشوا فيه.. تحولنا لنماذج مأزومة تافهة وسطحية، تهتم بقشور الأشياء حيث لا مواضيع ولا قصص ولا خيال ولا تعبير ولا جمال ولا خفة دم، حيث الجهامات القاتمة والنظرات المدببة والملامح الكئيبة التي لا تعبر إلا عن هراءات هائلة تلبس ثيابا بيضاء وعباءات سوداء، تعتمر الأشمغة وتلف “الطرحات”، لا تجيد إلا استخدام هواتفها النقالة والتحرك بسياراتها والالتفاف بكراسيها المكتبية بلغة آمرة ناهية، بعيون مراوغة مخاتلة، ضحكاتها مسنونة وابتساماتها سكينية، شيء يدفع لاقتراف الفجيعة وإدمان القنوط.