بعد أن رفع جماعة الإعجاز العلمي الأشرعة باتجاه الكشف عن أمور علمية في القرآن، فقد أرسلت لي ندوة دار العلماء في دمشق بحثا لرجل يزعم أنه قام بكشف رياضي عن إعجاز فريد في مصحف المدينة المنورة بحيث ينظر في رقم آية ليجد ما يقابلها في رقم الصفحة، أرسلوا لي البحث للتحكيم. ووجهة نظري هي التالية:
حقيقة دخت وأنا أتعقب الأرقام وأحاول أن أفهم كيفية ربط الأرقام بالصفحات، وأن نهاية إسرائيل ستكون عام 1344 هـ أي عام 2020 م؟ أقول وبأمانة لم أجد البحث سهلا أو ممتعا أو موصلا للحقيقة.
قصة قرآن المدينة المنورة غير قوية أيضا؛ فعندي مصاحف من نسخ أخرى غير نسخة القرآن للحفاظ التي اشتغلت عليها أنا حفظا وتفسيرا لمدة ثماني حجج، فلا أظن أنه ينطبق على ما وصل إليه الباحث.
ما أسميه أنا أساطير الإعجاز العلمي التي اشتغل عليها أيضا الشحرور ليفتح باب الزنا بين الفتيات والشباب بدعوى ملك اليمين طريق خطير وغير صحيح ولا يفضي إلى السلامة، وصاحبنا أراد الدخول عن طريق الأرقام، وهو يذكر ببدعة فيثاغورس القديمة ولاحقا غاليلو حين قالا إن الكون أرقام، وعلينا اكتشاف الكون من خلال الأرقام، ليثبت لاحقا أن الكون حقائق من ست طبقات متراكبة من البناء دون الذري حتى الحياة الاجتماعية والتدفق الحضاري للجنس البشري.
في قناعتي العميقة أن كل هذا التوجه غير صحيح، وليس من روح القرآن في شيء وفق الأفكار الأربع التالية:
1ـ القرآن كتاب نور وهداية وليس رياضيات وفيزياء وكيمياء وبيولوجيا!
2 ـ حين يقولون إن القرآن جاء بسرعة الضوء مثلا من آية سورة المعراج وسرعة الحصان قبل فيزو الذي حدده بطريقة المسننات، نقول لماذا لم تتفضلوا علينا وتعينوا سرعة الضوء من آية، لم يحتج فيزو لها حين كشف سرعة الضوء؟
3 ـ يقرر القرآن أنه لو تشققت السماوات وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا لن يؤمنوا؟ والسبب أنهم يجحدون؟
وهذه الحواجز السيكولوجية هي التي جعلت الصرب يذبحون المسلمين في البوسنة، ولو حاول أهل سراييفو أن يأتوهم بكل معجزات الزنداني وشحرور ما آمن أحد منهم؟
ويكرر القرآن هذا ألا نشتغل بهذا العبث؛ فهذه الطريقة لن تجعل الكافر مؤمنا، ولن تزيد إيمان المؤمنين من الذين سلموا بصحة القرآن وولدوا في بيئة شامية ومصرية ومغربية كذا؟
4 ـ هذا الاتجاه يحمل مقتله بجدال الكافر، والاستدلال بما جاء به الكافر؟ أفليس غريبا أننا نريد أن نقول للألمان إن صحة القرآن هي من أبحاث فيرنر هايزنبرج وغاوس ونيتشه وشوبنهاور وهيجل؟ أليس مضحكا حقا أننا نريد أن نثبت إيماننا بقول قوم نعتقدهم كافرين؟
خلاصة ما أصل إليه أن هذه الأبحاث عبثية ومضيعة للوقت والجهد والمال والورق، وقد تكون كلماتي صادمة للبعض، ولكنها قد تزيل غبش وضلالات كثيرة عن أعين كثيرة..
وفي النهاية تأتي النقطة الفاصلة، وهي أن مثل هذه الأبحاث يعطي نوعا من التوازن الروحي الغيبي لقوم خسروا الأرض والمستقبل والعلم، فهي أبحاث تعويضية تضليلية ولكن بطريقة غير عقلانية ولا شعورية بل هلامية ضبابية لقوم ضائعين في مغارات الأرقام والزمن اللانهائي الموحش؟..