المجتمعات المتقدمة تتميز بتحركها وتغيرها لاستجابات فطرية عند الحاجة نحو التقدم للأفضل، تتخللها الإرادة الحرة الباحثة عن بصيص الأمل في كل مكان لحياة أرحب وأكرم، وكل تغيير نأمله الآن على خارطة وطني هو استجابات لرؤى سعودية تتطلع لصناعة مستقبلٍ زاهرٍ، يبدأ من أهم أسس الحياة الإنسانية (التعليم)، وذلك لن يتأتى إلا بإحداث ثورة في نظام التعليم السائد الذي يئن تحت كثير من التراكمات والترهلات المتكلسة تعليمياًّ وتربوياًّ ولم يزل!
وللأمانة فإن مبادرة خادم الحرمين الشريفين في تأسيس "هيئة تقويم التعليم العام" ونوعية الأدوار التي ستقوم بها - وفقاً لقرار مجلس الوزراء - بجعلها هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة تتمتع بالاستقلال المالي والإداري يأتي مواكباً زماناً ومكاناً لمرحلة يتسارع فيها تطوير التعليم وتجويده في جميع دول العالم، التي تستمد من بناء نظام التقويم ضمان جودة التعليم بالمعايير والمؤشرات الناجحة التي تجعل من المخرجات بناءً للأجيال.
وليسمح لنا محافظ هيئة تقويم التعليم العام الدكتور نايف الرومي، الذي تعين بأمر ملكيّ كريم، وأحد أبناء وزارة التربية والتعليم وصاحب تجربة في وكالة التخطيط والتطوير وباع واسع كمدير عام لأكثر من سنتين لمشروع "تطوير التعليم" الذي لا نعلم إلى أين اتجه وما آل إليه..؟!
ومنه سأهمس لمعاليه.. بأننا كمجتمعٍ سعوديّ وتربويّ نرى أن مشروع "هيئة تقويم التعليم العام" كسائر مشاريعنا التي تريد أن تقود إلى التغيير والإصلاح في صبغتها وسياقها من قبل صناع القرار نحو الصالح العام، ومن هذا المنطلق أحاول هنا طرح ثلاث رؤى للنقاش حتى تتجانس وتتفاعل لصالح تلك المبادرة لعلها تكون على طاولة معاليكم:
أولاً: من المعروف أن مراكز التقويم في معظم دول العالم عبارة عن هيئات ذات طبيعة مستقلةٍ وبمهامٍ محددةٍ تحكمها لوائح تنظيمية معتمدة تحدد أطر عملها ومرجعيتها، ولها كذلك مجالس إدارات خاصة بها... ولعلي أتوقف هنا إلى أن الأهم وليس المهم لدى "هيئتنا" الموقرة أن تخرج من تحت عباءة وزارة التربية والتعليم وألاّ تكون تابعة لها بل جهة تنفيذية عليها تقوّمها وتكشف مكامن خللها بمهنية واحترافية وتضعه أمام ولاة الأمر وأمامها بكل مصداقية وحزم لتجنبه وقائياً وتنفيذياً وتقومه لمدة زمنية محددة.
ثانياً: إن نجاح "هيئة التقويم" يبدأ من تعيين فرق (متخصصة) من الكفاية في القياس والتقويم وعلومه وكوادر معروفة وبيوت خبرة حتى لو تم استقدامها أو الاستفادة من خبراتها من دول متقدمة في مجال القياس والتقويم كأميركا وبريطانيا وفنلندا والسويد وأستراليا واليابان..، والمنعطف المقابل وهنا (مربط الفرس) أننا عندما نلتفت وننادي باسم متخصصي القياس والتقويم السعوديين فللأسف نجدهم نادرين عدداً وتطبيقاً في كلياتنا وجامعاتنا وميداننا التربوي.. وهذا (قد) يدخلنا في دهاليز اختيار التعيينات (المحليّة) في الهيئة التي نتمنى لها ألاّ تخضع لأسطورة السلطة المطلقة (المجاملات) عبر العلاقات الشخصية، والتي (قد) تتقصى أصحاب التجارب التربوية المكررة التي لم يكتب لها النجاح من مسؤولي وزارة التربية والتعليم أو مشرفيها.. أو من قبل ثلة كبيرة ممّن يدعون أنهم خبراء وهم أصحاب (سنوات متراكمة) يعلم الله بها، أو حتى لا تمتد إلى قاعدتنا الشعبية في أكل الكعك.. "من تعرف يا فلان أنه كويس؟ ألحق ترى فيه مميزات وبدلات في الهيئة الجديدة.."!
ثالثاً: تستمر أحلامنا في تعديل الكثير من الأوضاع التي تجعل مشاريعنا خياراً استراتيجياً لنخلق به سعوديين قادرين على أن يفوقوا العالم قدرة وإبداعاً وطموحاً وتحدياً، وندرك إيجاد جيل مؤهل وقادر على مسؤولية العصر، وهذا ما نأمل أن تبدأه "هيئة تقويم التعليم العام" بأهداف واضحة وتخطيط سليم، وتنظيم ومتابعة وتقويم للتغييرات وإلا فإنها ستكون مرتجلة وبأزمة اختيار وليست أزمة كفاءات، ويتسرب حينها الوقت والمال هدراً، وتتبع غيرها من مشاريع "التطوير" والهيئات لأجيال قادمة يقودها التعليم العشوائي المتخبط في وقتٍ لا نحتاج فيه التأخر عن الركب العلمي والمعرفي بسطر واحد!.
باختصار، يا معالي رئيس الهيئة.. نجاح "هيئة تقويم التعليم" يأتي من خروجها من عباءة وزارة التربية وألا تخضع لشبح المجاملات في التعيينات ونقل أصحاب التجارب المكررة الفاشلة من "التربية" إليها، حتى لا نستمر في هدر أموالنا وعقول أجيالنا، لاهجين بالدعاء وآملين لمعاليك وللهيئة وفريقها بالتوفيق والسداد.