ذكرت في غير مقال؛ أن النظرة الدونية للمرأة، وعدم تربية الشباب على احترام الآخر، وعوامل أخرى تأتي في مراتب تالية ساندها غياب المبادرات الاجتماعية، وعدم اضطلاع الإعلام الناضج بأطيافه في نشر الصورة اللائقة بالمرأة، ينتهي بنا إلى حادثة التحرش مؤخرا، وانعدمت مروءة من تفرج عليها، إذ شاهدنا شابا يستبيح إنسانا أمامه لصفاته الأنثوية.

المبررون للتحرش لا يمكن أن يكون لصوتهم معنى؛ فالمنتهك لا يركز على التحشم، ومعدلات التحرش تدين المتحرش والجانب الأخلاقي فيه، وليس من الإنصاف والموضوعية إدانة الضحية حتى لا يجرؤ من هب ودب على الإشارة لمن يستهدفها ليصنفها ضمن غير المحتشمات. الحشمة نقطة خلافية قد تكون لدينا في دول الخليج تعني ارتداء عباءة سوداء في مدن تراها فوق الرأس وأخرى على الأكتاف، وفي دولة أخرى يجسدها حجاب وملابس فضفاضة، بالتالي تجريم التحرش والعقوبة بالتشهير مع حملات استباقية توعي الناس ليكون المتحرش مسؤولا عن أفعاله بعد التوعية، والتأكيد على أن التشهير قانون مؤكد وأداة زجر وردع، وأن إقباله مع سبق الإصرار على ارتكاب الجريمة يعني أنه يستحق العقاب.. بعض الدول أطلقت حملة توعوية لمكافحة هذه الجريمة، ووضعت سقفا لتطبيق قانون التشهير.. أيام معدودة وتلاشت الظاهرة بمجرد التلويح بالقوانين الصارمة والتطبيق بقسوة.

في الإعلام المرأة هي الضعيفة الكسيرة، تحت قبضة اليد.. معنفة ومطحونة، صور الاستضعاف تتقدم على حقيقة أن مجتمعنا فيه العنف والتميز والمواطنة صامدة وطموحة وتبلغ المعالي، مهما كان نوع التحديات في المجتمع، وهناك من لا يهتم بتوازن هذه الصورة في الذهنية الاجتماعية، فيعيش بيننا من يراها من خلال هذا الطرح القاصر يستقر في وجدانه فيندفع ليكون مشاركا في حفلة الانتهاك الذي يتوقع أن التحرش إحدى فقراته، وهذا ليس صحيحا، فأثناء كتابة مقالتي هذه حكم على10 شبان في جدة بالجلد لتحرشهم بالعائلات.

لا توجد ظواهر سلبية تحل نفسها، المجتمع والحكومة ممثلة بقطاعاتها التي تسهم بصياغة الشخصية مثل وزارة التربية- وزارة التعليم العالي، والرياضة والشباب وغيرها، لها أدوار مكملة للأسرة، وعليها واجب إطلاق المبادرات المشتركة مع قطاعات أخرى يستفيد منها المجتمع لبث الوعي..

بالطبع لا شيء يعلو فوق دور الآباء، المتحرش كان طفلا فارغا لم تصب القيم والمبادئ في وجدانه، والمراهق الذي لا نحميه من قلقل المراهقة بدعمه واحتوائه وحمايته من إغراء الانحراف، يحتاج صديقا منحرفا ينساق خلف انحرافه لتنهار القيم في لحظة طيش.