خيرية عبدالرحمن شيبان


منذ 19 عاما وأنا أشارك في عملية أراها من أهم العمليات بهذا البلد الطاهر، إنها "العملية التربوية"، لطالما وقفت أمام تلميذاتي معلمة للغة الضاد المجيدة، وقفت فخورة بـ"اقرأ" وأمة اقرأ، فغرست هذا الشعور الجميل بداخل تلميذاتي حتى بتنا نرتشف حروف الخنساء وحسان بن ثابت بحلاوة لا تضاهيها حلاوة، بتنا نردد حروف شعراء الأندلس حتى وكأننا نشاركهم شموخهم وتمكنهم بتلك الفترة، بتنا نرى الخطأ الإملائي والنحوي جريمة لا تغتفر، وهكذا حتى رأيت بوادر تحول الجيل تظهر في منزلي الذي يحوي أبنائي الخمسة وفي صفي الذي كان لا يقل عن 30 تلميذة، حينها كنت على يقين أن واجبي أنا وغيري كمشاركات في هذه العملية المهمة أن نوجد ونصنع نقطة التقاء مع هذا الجيل الذي تحيط به المتغيرات والتحولات من كل مكان، يقينا مني بأن ذاك الالتقاء من شأنه أن يلغي كل الحواجز ويذيب كل الجدران التي لربما تبنى بيننا فيصبح حتى الحوار معدوما، لم يكن ذاك يقيني فحسب بل إن تلك القناعة كانت مرتبطة بتقديم التنازلات والتضحيات حتى نقضي على ما يمكن أن يصاحب "صراع الأجيال".

كان هدفي هو احتواء هذا الجيل بكل الإمكانات وحتى لا يجد ضعيف النفس ثغرة يدخل منها فيدمر ما نبنيه بدموعنا قبل جهودنا، اليوم أعتقد أننا حققنا ذلك التصالح الذي لطالما سعينا له ولكن ما زالت بعض الظواهر تبدو مرفوضة "لا لأنها ليست موجودة لدى جيلي سابقا" ولكن لأنني أراها مهدرة للوقت والجهد والمال وبلا أدنى فائدة، اليوم أرى مدارسنا ومنازلنا تبالغ وتفني الثمين قبل الرخيص في "حفلات التخرج"، طفل السادس ابتدائي اليوم تقام له الحفلات والليالي الملاح، وكأنه قد أنهى كل المراحل وأتى بأعلى الشهادات العلمية، وكذلك من أنهى المرحلة المتوسطة ومن أنهى المرحلة الثانوية، بينما لو أننا حولنا تلك الحفلات إلى برامج تعلم هذا الطالب أو الطالبة معنى المستقبل ومعنى أن يضع له هدفا يسعى له، ومعنى أن يسعى لتحقيق طموحاته بدون أن يضيع وقته في أمور لا ولن تنفعه لكان أجدى ولكانت هذه الطريقة داعما لما نقدمه طيلة العام من جهود، تلك الحفلات تضيع الهدف الأسمى لنا في المدارس وتعطل "العملية التعليمية" التي قدمنا لأجلها، وتنمي في نفوس أبنائنا التنافس في الاهتمام بالمظاهر الخارجية على حساب الجوهر والمضمون، لست ضد الفرح ولكنني ضد مثل هذه المبالغات التي تصرف جهود هذا الجيل الذي نعوَل عليه الكثير في أمور لن تجعلنا نتمكن من الصدارة التي لطالما حلمنا بها.