أثار الزميل العزيز الدكتور علي سعد الموسى شجناً خاصاً لدى أهالي حائل خلال زيارته القصيرة والخاطفة لها الأسبوع الماضي، والتي تمخضت عن مقال حمل عنوان “من حائل إلى مقاطعة المنسك الشعبية”، شبّه فيه مدينة حائل بمدينة بولدر الأميركية الواقعة في ولاية كولورادو.
وبفعل الوطن الذي نشترك بالعيش فيه، و”الوطن” التي نشترك في الكتابة بها، فقد حرّك مقاله شجن الكتابة عن التنمية في حائل، بعد أن قال عنها الزميل في مقاله إنها “تقارب بحسن التخطيط والتنظيم مدينة (بولدر) الأميركية”، وإنها مدينة “رشيقة ومدهشة”.
هي بحق مدينة مدهشة بثرائها الجغرافي والاجتماعي، وكل من يعيش فيها يحبها ويحب أهلها النبلاء، إلا أن المشروعات لا تصل إلى الحد الذي ذكره الدكتور علي الموسى، حتى وإن صوّرت له طبيعتها الجبلية إيحاء بينها وبين مدينة بولدر الأميركية، غير أن الفارق التنموي كبير بلا شك، وهذا ما لا يجعلهما أبداً وجهين لعملة واحدة.
يقول الدكتور علي إن حائل “مدينة بلا حفر، ومدينة بلا عقبات المشاريع، وكأنها انتهت من بنيتها التحتية قبل عقد من الزمن... هل السبب في الأمين الحالي أم إنها بذرة أول رئيس بلدية لهذه المدينة؟”.
وأهمس لزميلي العزيز بالقول: إن حائل تنتظر منه زيارة استكشافية أخرى، فشوارعها ليست كما رآها، بل مليئة بالحُفر والمطبات، نتيجة سنوات من آثار عوامل الاستخدام والتعرية عليها، سواء لهيب الشمس الحارقة وتأثيرات الأمطار والسيول، أو تلك التي أحدثتها أعمال الحَفر العشوائية لإكمال بعض الخدمات الأخرى والتي تجعل الشوارع أشبه بالطرق الصحراوية، ومعظمها يحتاج إلى السفلتة والرصف وإعادة التأهيل، خاصة الطرق الرئيسية في وسط المدينة وأحيائها الأقدم، لتكون شوارع بالمعنى الحقيقي، ويعرف المواطن الحائلي تفاصيل معاناته من ازدحام الشوارع وتعرجاتها وعدم اكتمال خدماتها، وأول المشاريع المتعثرة هو طريق الملك عبدالعزيز الذي ما زال الحائليون ينتظرون إنفاذ توسعته المقررة بستين متراً، والتي وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتوسعته إلى 100 متر أثناء زيارته إلى حائل قبل عدة سنوات.
أما الجسور المركّزة على الطريق الدائري فقد أُنشئت قبل أربع سنوات تقريباً، أحدها نفذته أمانة منطقة حائل، شيّد على أنقاض ما كان يعرف بـ”دوّار السنبلة”، وهو الجسر الوحيد في حائل الذي حظي بتغليفه بـ”الكلادينج” لكن ذلك لم يعالج انحناءه الحاد!
داخل المدينة لا توجد إلا الطرق التي شقت سابقاً، ولا توجد أي أنفاق أو جسور رغم حاجة المدينة إليها لمعالجة حالات التطور السكاني وازدحام الحركة المرورية، ويتجلى ذلك أكثر جيداً في أوقات معينة حين يتحول وسط المدينة إلى اختناق حقيقي، وكم أتمنى أن يتجول أمين منطقة حائل الحالي المهندس إبراهيم أبوراس بسيارته في شوارع وأحياء “حائل” ليطلع على الأمر بنفسه، ولا سيما أن بعض الشوارع ما زالت تحمل بصمة التخطيط الذي تم في عهد سلفه الأستاذ إبراهيم البليهي خلال الفترة الهجرية (1396-1404) وما زال الرجل يُذكر بخير، لكنها شوارع قديمة وتحتاج إلى تطوير وتوسعة وتجديد، ولا يمكن لها أن تصمد إلى الأبد.
لقد أصبحت حائل مدينة كبيرة، وشهدت خلال السنوات العشر الماضية امتداداً عمرانياً أفقياً وكثافة سكانية، إذ قارب عدد سكانها 600 ألف نسمة بحسب آخر إحصاء عام 2010، وربما كان لإنشاء جامعة حائل دور في هذه الزيادة؛ ولا سيما أن لوجود الجامعات دورا أساسيا في التنمية والتواجد السكاني وخلق بيئات العمل في مختلف مدن العالم.
إذاً أصبحت هنالك زيادة سكانية في ظل عدم وجود تنمية موازية، حتى من ناحية الخدمات التي يعتبر وجودها بديهياً كالفنادق والمجمعات التجارية، حيث لا يوجد إلا فندق واحد ومجمع تجاري كبير واحد.
أما من الناحية التنموية فأهالي حائل ينتظرون الكثير من المشاريع التي تعثرت مع الأسف، ومنها “مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية” التي حلموا بها-ضمن أحلام أخرى- ومنها المطار الدولي كرافد لها، والمشاريع الصحية التي لم تكتمل منذ سنوات، مما جعلها تعاني من الضغط والتكدس في مجال الخدمات الصحية، وما زال المستشفى التخصصي، والمستشفى السعودي الألماني شاهدين، وليس آخر المشاريع ما عُرف بـ”أرض الحرس”.. والمجالس الحائلية حبلى بالأحلام والآمال التنموية.
استعنت بـ(جوجل إيرث) لزيارة مدينة بولدر التي يوجد بها مطاران، فشاهدت جبالها المخضرّة المحيطة بها، واستمتعت بشوارعها الجميلة المزدانة بالأشجار والمساحات الخضراء، وبحيراتها الصافية، وملاعبها الرياضية، ومجمعاتها التجارية، وحتى مكتبة كارنيجي.. فوجدت أن الفارق شاسع بين مفردتي ثنائية “حائل-بولدر”!