ـ 1 ـ

يحكى أن (رَحَلَ) فعل ثلاثي لازم متعد بحرف، ويقولون: رحَلْتُ، أرْحَلُ، اِرْحَلْ. وأما مصدره فهو رَحْلٌ، ورَحِيلٌ، وتَرْحَالٌ، ورِحْلَةٌ .ومن رَحَل عن بلده فقد تركه، ومن رَحَل إلى بيت جديد فقد انتقل، أما من رَحَل البلاد فقد تنقل فيها.

ويقولون أيضاً: رَحَلَ له نفسه أي صبر على أذاه، ورَحَلَ الدابة أي شدَّ على ظهرها الرَّحْل، أَوْ رَكِبها، ورَحَلَهُ بسيفه أي عَلاَهُ به... ومازال في (رحل) الكثير من المعاني.

ـ 2 ـ

رحلوا عن بيوتهم ووطنهم بغير اختيارهم، رحلوا وهم يدركون أنهم قد لا يرون بيوتهم وأهاليهم مرة أخرى، فثمة سفاح يأبى الرحيل، وقد يدمر ما تبقى ويقتل من بقي في وطن لم تعد تنفع اجتماعات أصدقائه سوى في تراكم الخطب والتصريحات.

هناك ألم كبر حتى صار أضخم من وطن، ووجع تزايد حتى بات فوق احتمال البشر.. ومازالت الاجتماعات الموعودة لعبةً تستهوي رعاة "الدم" وعشاق الدمار.

ـ 3 ـ

كثير منهم رحلوا في الداخل.. فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالقذائف تلاحقهم، ومن لم يمت بالقصف مات بغيره، ومن هرب من جور الطاغية وقع تحت نير من (دعشوا).. ليصبح الداخل جحيماً ما بعده جحيم، ويتحول الركام إلى ركامات تنوء بها الجبال والصحارى والأنهار.

ـ 4 ـ

في الجوار ثمة خيام مرقعة ارتحلوا إليها، خيام لا تقيهم من الحر أو البرد.. ولا يجرؤ القتلة على الاقتراب منها.. ربما تصلح لأن تلم شتاتهم أياماً، أما أن يطول فيها العيش إلى أن يمل السفاح من ممارسة هوايته فذلك هو القتل البطيء.

ـ 5 ـ

هناك حلم بالأمان وراء البحر حيث لا تصل صواريخ الطاغية، رحل الكثير إليها خلسة، منهم من غرق فانتشلوه.. ومنهم من وصل في حالة يرثى لها، وغيرهم لم يبق لهم أثر.

ـ 6 ـ

هل يا ترى يستطيع سفاحٌ ما أن يجلس مع نفسه لدقائق ويرحل بخيالاته ليشاهد ابنه جائعاً، أو يعذب ويصرخ ويتلوى ألماً، أو يتصور نفسه يهان أمام أبنائه وزوجته، أو يرى شرفه ينتهك؟

لو حدث ذلك - وإن كان من ضرب المحال – هل ينسلخ السفاحون من جلودهم ليعيش أهل الأرض بسلام.

ـ 7 ـ

ليت الرحلة لا تطول.. فمتى تنتهي اللعبة.. ويرحل؟