استهداف "الحلقات الأضعف" في المجتمع لتوجيه ضربات موجعة لإحراج النظام السياسي الذي يتبلور في مصر.. هذه هي "كلمة السّر" وراء استهداف المسيحيين وكنائسهم وممتلكاتهم بمعدلات غير مسبوقة في تاريخ مصر المُعاصر، وكانت أحدثها تلك الجريمة البشعة التي أطلق فيها مجهولان الرصاص على مدعوين مسالمين، كانوا يقفون مبتهجين أمام كنيسة بضاحية الورّاق الفقيرة، يترقبون وصول سيارة العروسين، وراح ضحيتها أربعة قتلى ونحو 18 جريحا بينهم مسلمون.
لن أتوقف أمام هذه الجريمة، بل سأناقش التحول النوعي للعنف بهذه العمليات الإجرامية، واستهداف عدة مقار للمخابرات الحربية ومنشآت حكومية أخرى، وهذا يقودنا لثلاثة عناصر تستند عليها "موجة العنف الجديدة"، التي تصطف فيها عدة تنظيمات إرهابية خلف الإخوان، وبلورها التنظيم الدولي للإخوان بمخططات لدعم الجماعة بعد خسائرها السياسية الهائلة بعزل مرسي، واعتقال الصفين الأول والثاني من الجماعة.
وأقّر التنظيم الدولي خطّة لمساندة إخوان مصر خلال مؤتمرين عُقدا بمدينة لاهور الباكستانية، والعاصمة التركية اسطنبول، وسُربت أنباء عن تخصيص ميزانية تُقدر بثلاثة مليارات دولار، لإشاعة الفوضى والعنف الطائفي، والتعاقد مع شركات دعاية أميركية لشّن حملات "دعاية سوداء" بوسائل الإعلام الدولية ضد الجيش والنظام الجديد.
العنصر الثاني يتبناه جيل الوسط بالجماعة، بتصعيد احتجاجاتهم واللجوء لممارسة الضغوط على من يصفونهم بـ"الانقلابيين"، ويزعمون أن أنصارهم يتزايدون، لكن تقارير ومعلومات أجهزة الأمن رصدت تعاظم الغضب الشعبي ضد ممارسات الإخوان، التي تنشر الفوضى، وتُعطّل عجلة الحياة في القاهرة وشتى المدن، مشيرة لتعاون المواطنين مع الجيش والشرطة لمواجهة الجماعة، بل تذهب لتأكيد قرب حسم المعركة، وتعد محاولات تصعيد الإخوان أحد مظاهر "الإفلاس السياسي" للجماعة.
يأتي هذا بالتوازي مع مخطط القيادي الهارب محمود عزت ـ وهو من أخطر قيادات الجماعة ـ والذي أثبتت وثائق ضبطتها أجهزة الأمن اتفاقه مع خيرت الشاطر منذ نحو سبعة أعوام على تشكيل "خلايا قتالية" أطلق عليها إعلاميا "ميليشيات الإخوان"، واعتبرها القطبيون بمكتب الإرشاد بمثابة إعادة إحياء النظام الخاص، وسبق للمرشد السابق مهدي عاكف التصريح في إحدى زلات لسانه المعهودة، بأنه يُمكن لعشرة آلاف من عناصر الإخوان الذهاب إلى جنوب لبنان لقتال إسرائيل، وبعدها قال عصام العريان: إن الإخوان لديهم حاليا عشرة آلاف شاب على الأقل تلقوا تدريبات قتالية على حرب الشوارع
ونختتم بالعنصر الثالث وهو بروز تنظيم تكفيري مُسلّح أنشأه "إرهابي دولّي" يدعى محمد جمال، الذي تربى بكنف "القاعدة" وعاد لمصر في التسعينات ليقود العمليات الإرهابية لتنظيم "الجهاد الإسلامي" المصري الذي كان يرأسه حينئذ أيمن الظواهري الزعيم الحالي للقاعدة، ومنذ الإفراج عنه من السجن عقب الثورة أسس معسكرات تدريب إرهابية في كل من مصر وليبيا لتدريب مقاتلين انتحاريين، ووثّق شبكة علاقات بإرهابيين بأوروبا، وتنظيمات "القاعدة في بلاد المغرب"، و"القاعدة في جزيرة العرب".
واعتقلت أجهزة الأمن المصرية جمال في نوفمبر الماضي، وعثرت في كمبيوتره على رسائل للظواهري، يطالبه بالمساعدة، ويتحدث عن عمليات نفذتها جماعته تشمل تجنيد وتدريب مقاتلين وشراء أسلحة، وتنفيذ عمليات في سيناء وتكمن خطورة هذا التنظيم أنه يضم عناصر مجهولة لأجهزة الأمن، لأنهم لم ينخرطوا بتنظيمات معروفة وينتمون للجيل الثالث من الإرهابيين.
وأخيرا فإن التورط في خيار العنف، سواء من جماعة الإخوان أم الذين يصطفون خلفها من تنظيمات سيكلفها استبعادها من الساحة السياسية، وعودتها للعمل السري، فما يحدث الآن يمكن وصفه بـ"المعركة الأخيرة" التي تخوضها الجماعة، لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط التي ستكلفهم خسارة كافة مكتسباتها منذ أن أطلقهم السادات من سجون عبد الناصر، حتى تلك المساحة العرفية التي كانت تتمتع بها الجماعة خلال عهد الرئيس الأسبق مبارك.
يُدرك الإخوان أنهم أمام "معركة وجودية"، لهذا يشّنون حربا ضارية على مسارات متوازية، من تصعيد الاحتجاجات الميدانية، و"حرب الأفكار"، وحملات "الدعاية السوداء"، وضرب مواطن الضعف بالمجتمع بإشعال العنف الطائفي، لكنهم يتجاهلون حقيقة بسيطة وحاسمة، مفادها أنهم يواجهون شعبا وجيشا وشرطة، فهل تراودهم أوهام هزيمة كل هؤلاء؟!