عندما نصاب بعارض صحي ولو كان بسيطا في عرف الأطباء نشعر بالضيق والقلق من طول السهاد، هذا هو حالنا ولو مع صداع عارض، ونحن مع الأسف ننسى في خضم سعينا للكمال عظم النعم التي حلت بنا وتمكنت منا، فتعامل معها كأنها ما خلقت إلا لنا، وكأنّها حق مكتسب بحكم الخليقة، وقد يكون جارٌ لنا لم نسمع له صوتا ولم نلمح له ظلا يتحرك في محيطنا وهو محمل بالأمراض التي احتار معها الأطباء، ابتلاء طرَقَ بابه وطرَقَ بابنا معه، إلا أننا تجاهلنا هذا الطرْق عن عمد وإصرار، فالأمر كما نراه لا يعنينا، والضعف الذي أخفى ملامح هذا الجار الذي بالكاد يُرى لا يخصنا، فنحن لا نفهم تلك اللغة ولسنا ملزمين بتدبر حروفها ومعانيها.. وقد يبرِّر بعضُنا موقفه هذا بتبريرات جوفاء تخلو من كلّ معاني الرحمة، فيبخل بدعمه المادي فقط بل حتى بدعمه المعنوي، وقد يمارس البعض اللامبالاة وبأقسى صورها..

إن هذا الوصف بطبيعة الحال لا يمكن تعميمه علينا جميعا، فالخيّرون أمثالكم كثر ـ والحمد لله ـ إلا أنّنا قد ننسى وقد نتشاغل بهمومنا عن مراعاة غيرنا وكسب الأجر فيهم، ولأننا في هذه الأيام المباركة، وفي هذا الشهر الكريم الذي يسعى فيه المسلمون لعمل الخير بتلقائية ودون جهد يذكر، فأرواحنا وأجسادنا فيه منساقة للخير حبا في الله سبحانه وطمعا في كرمه ورحمته ومغفرته، ولأنّنا في شهر عظيم تنقى فيه النفوس والأهواء وتتطلع لأن تكون باذلة بسخاء لا يماثله سخاء في غيره من الشهور، كيف لا تكون وهي في شهر القرآن شهر المغفرة والرحمة والعتق من النيران، لهذا كله أدعوكم لقراءة هذه السطور التي أتمنى أن تنتهي إلى خير جمعنا في الدنيا والآخرة.

وأجد أنه من المناسب تذكير القارئ الكريم بحملة (كلانا) التي تهدف إلى رعاية إخوة لنا يعيشون بيننا مصابين بمرض الفشل الكلوي، وبعضهم عجز عن بذل التكاليف المالية الباهظة التي يتطلبها العلاج، والتي تبلغ قرابة 115 ألف ريال سنويا للمريض الواحد، وهؤلاء بلغ عددهم حوالي 11 ألفا، وغني عن البيان أن هذا المرض لا يزور الكبار فقط بل قد يزور الأطفال أيضا، وعلى فرض وُفّرت للمريض الأجواء الطبية المناسبة إلا أنه سيبقى يعاني الأمرّين، وإن صبر المصاب على معاناته مع المرض وعلى تنفيذ تعليمات الأطباء العسكرية، وعلى الغسيل الذي قد يُكرر أسبوعيا بواقع ثلاث إلى أربع جلسات، تستمر الجلسة الواحدة منها لساعات طويلة، فمن المهم أن نحاول ـ كمجتمع ـ فهم واستيعاب نفسية هذا المريض التي قد تجد صعوبة في الصمود أمام هذا البلاء الذي قد يهدد استقرار حياته الأسرية والعملية، فيفصل من العمل نتيجة لغيابه المتكرر، وقد يوقف نمو الطفل المصاب من النواحي البدنية والنفسية، فالطفل المصاب لن يكون طفلا، وسيقيد بتعليمات طبية أقل ما يقال عنها إنها صارمة.

وفي ظل هذا المحيط جاءت مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ـ حفظه الله وأرجعه إلينا سالما معافا ـ بإنشاء جمعية خيرية تهدف إلى خدمة مرضى الفشل الكلوي ومساعدتهم صحيا واجتماعيا، فقد لاحظ ـ حفظه الله ـ ازدياد أعداد مرضى الفشل الكلوي النهائي وبشكل متزايد، حتى وصل عددهم إلى ما يزيد عن (9400) مريض، في حين كان عددهم لا يتجاوز حسب إحصائية أجريت عام 1401 (83 مريضا)، وكثير من هؤلاء المرضى عاجز عن توفير تكاليف العلاج والغسيل وما يصاحبهما من مصاريف، وبناء على ذلك صدرت موافقة وزير الشؤون الاجتماعية رقم 19078 وتاريخ 19 /6/ 1421 بإنشاء الجمعية الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، وانعقد الاجتماع التأسيسي للجمعيـة يـوم الأحـد الموافـق 11 /3 /1422.

إن هذه الجمعية لا تقصر خدماتها على المواطنين من المرضى فقط بل تشمل كل المرضى العاجزين عن دفع تكاليف العلاج من مواطنين ومقيمين، علما بأن لهذه الجمعية برنامجا يختص بالغسيل الدموي لمرضى الفشل الكلوي المحتاجين، بدأ نشاطه التجريبي عام 1428، ويقدم هذا البرنامج خدماته للمرضى المواطنين والمقيمين إقامة دائمة في المملكة من المحتاجين وممن لا يتوافر لهم التأمين الصحي ـ وبحمد الله ـ وصلت رعايته 700 مريض بتكلفة سنوية تصل إلى حوالي 80 مليون ريال، وجدير بالإشارة إلى أنه ـ وكما ذكرنا ـ تصل تكلفة المريض منهم 115 ألف ريال، كما تم الصرف على العمليات المصاحبة بحوالي 12 مليون ريال سنويا، كعمليات تركيب القسطرة أو تغيير مكانها أو تركيب أو إزاحة الوريد الصناعي، أو عملية إزالة التجلط أو الوصلة الوريدية وإجراء الأشعة والتحاليل.

ومن المهم هاهنا تدبر الواحد منا إمكانية إصابة أي منا بهذا المرض، خاصة المصابين بمرض السكري، فهم أغلب الفئة المتوقعة إصابتها بهذا المرض خاصة الذين يجهلون إصابتهم بهذا الداء. كما أن المصابين بمرض ضغط الدم معرضون أيضا للإصابة بالفشل الكلوي، علما بأن دراسة أجريت مؤخرا على أرض الوطن انتهت إلى توقع زيادة عدد المصابين بهذا الداء العضال.

ودفعا للبلاء أجد أنه من المناسب في هذه الأيام المباركة تذكير القارئ الفاضل بقدرته على دعم هذه الجمعية وهذا البرنامج من خلال السخاء ببضعة ريالات ودون بذل أي جهد يذكر. يتطلب الأمر فقط إرسال رسالة جوال تحمل رقم (1) إلى رقم (5060)، فمن خلال هذه الرسالة يصل تبرعكم 12 ريال شهريا. وهكذا يتحقق دعمكم الخير لهذا المشروع الإنساني (اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وأدم علينا الصحة والعافية إنك سميع مجيب الدعاء).