قضيت ما قبل الأمس، مجرد خمس ساعات، أذرع شوارع الحبيبة (حائل) وأتفقد التفاصيل المدهشة في بناء المدينة (البلدي) التنموي. سأقولها بالفم المليان: لأول مرة في حياتي مع مدن وطني، أشعر أن من بينها مدينة تقارب بحسن التخطيط والتنظيم مدينة (بولدر) الأميركية، التي عشت بها فترة من الزمن. وفي كل الشوارع والأحياء الحائلية، كنت أسترجع شوارع حارتي بالمقارنة والمقاربة: من هو الذي حكم علينا أن نعيش في الوطن ذاته في حارتين متناقضتين رغم أن الوطن يدفع الإمكانات ذاتها، ويصرف على الجميع بالموافقة الإدارية ذاتها كلما اجتهد (أي مسؤول) ورفع أفكاره ومشاريعه إلى جهة القرار الأعلى التنفيذية؟ من هو الذي حكم علي أن أعيش بين مئات الحفر والشوارع المهترئة المكسرة بينما يعيش أخي العزيز (الحائلي) في مدينة أنيقة رشيقة ومدهشة، رغم أن الوطن، وبالأدلة والبرهان، صرف في مكاني ضعف ما صرفوا عليه.
في قصة (حائل) سر ضخم لم أكتشفه ولم أستطع حتى اللحظة رغم محاولاتي للتفكير في هذا (السر) الخطير حد حرارة الدماغ.
أستأذن سمو وزير الشؤون البلدية والقروية إن قلت: إن كل أمناء المدن والمناطق المماثلة من الحجم الوطني المتوسط ليسوا في حاجة إلى دورات ولقاءات أو ورش عمل أو انتدابات خارجية لرؤية مدن العالم المماثلة: هم يحتاجون إلى ثلاثة أيام من الراحة والاستجمام في عروس المملكة (بأكملها) كي يذرعوا شوارع حائل ومن ثم يكتشفون أسرار هذا السر الوطني المدهش. مدينة بلا حفر، ومدينة بلا عقبات المشاريع، وكأنها انتهت من بنيتها التحتية قبل عقد من الزمن. مدينة تختلف فيها كل رؤية لأي تفسير في السؤال: لماذا كانت حائل مختلفة في مسيرتها البلدية عن أي مدينة سعودية أخرى من ذات الحجم: هل السبب في الأمين الحالي أم إنها بذرة أول رئيس بلدية لهذه المدينة؟ عدت مساء البارحة لحارتي ومنزلي وفي الذاكرة كل صور هذا (الحائل): مثل من يغادر الحديقة ثم يسقط في حفرة. عدت من حائل إلى حارة لا علاقة لها بأي (أمانة) أو بلدية.