مثل التدخل في الحرب السورية مغامرة غير مأمونة العواقب لحزب الله اللبناني الذي طالما تشدق بمقاومة إسرائيل، لذلك فشل زعيمه حسن نصر الله عندما حاول أن يشرح لأتباعه الأسباب التي دفعته لإرسالهم إلى القتال بسورية في إقناعهم بمبرراته الواهية، عندما زعم أن "النصر في سورية مقدمة للنصر في فلسطين"، وبدا كأنه في حاجة لمن يقنعه هو نفسه بهذه الكذبة التي رددها أكثر من مرة.
إذ كيف لزعيم وطني – كما يصور نفسه – أن ينغمس حتى أذنيه في حرب طائفية، وكيف لمن يريد هزم العدو أن يوجه سلاحه نحو صدور الأنصار. لذلك فإن هذا التدخل في شؤون سورية يمثل أكبر خطوات الإعلان عن النهاية الدرامية لذلك الحزب الطائفي.
ويبدو أن إدارة الحزب لم تدرس جيدا تداعيات ذلك التدخل المرفوض في شؤون دولة أخرى، أو أن الأوامر صدرت إليه من طهران على عجل "لنصرة إخوانه المذهبيين"، فإذا كان حقيقة كما ظل نصر الله يدعي "حركة مقاومة" فلماذا لم يدعم المقاومة ضد الأسد؟ التي شهد العالم أجمع أنها مقاومة شعبية لرفض الظلم والتخلص من الكابوس الذي ظل جاثما لعشرات السنين. وإذا كان حزب الله كيانا لبنانيا بحتا كما يقال، فما الحق الذي لدى قادته لإرسال المئات بل وحتى الآلاف للقتال في معارك الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد؟ وكم ضحك الجميع عندما قال نصر الله ببغائية وبرود يحسد عليه "إذا سقطت سورية في أيدي أميركا وإسرائيل والتكفيريين، فإن المقاومة ستحاصر وستدخل إسرائيل لبنان وتفرض إرادتها". ويبدو أنه أدمن ترديد ما يقوله قادته في طهران دون أن يبذل قليلا من الجهد لتهذيبه أو جعله أكثر منطقية.
ولا تقتصر مخاطر دخول حزب الله إلى سورية على الداخل السوري فقط، إذ إن تجارب التاريخ تثبت أن الشعوب تنتصر في الآخر على جلاديها، وأن صوتها يظل الأكثر إسماعا، وأن ثورات المظلومين ستبلغ فجرها وإن تطاول ليلها، ولكن يبدو الخطر الأكبر على لبنان، الذي وجد نفسه ينساق إلى حرب سعى عقلائه ليجنبوه شرورها وهو الذي اصطلى كثيرا بنيران الحروب الأهلية؟ وتجلى الرفض الرسمي في تحذير الرئيس ميشال سليمان عندما قال "كيف يمكن لأمة تقدم مثل هذا النموذج الرائع في المقاومة والتضحية، بينما تشجع الخلافات الطائفية؟".
ويبدو أن أمين عام الحزب الطائفي يدرك حجم نفسه تماما ويعي ما قاله قبل 13 عاما من أن حركة مقاومته لن تعبر الحدود الإسرائيلية، ولم يتوقع أحد أن يفعل ذلك يوما لأن الانحياز لقضايا الأمة المصيرية هو فعل لا يقوم به إلا من امتلأ قلبه بحب أمته وتجاوز صغائر اختلافاتها، لا من رهن نفسه للخارج على حساب بلده، وانحاز إلى أعداء أمته ليصبح خنجرا مسموما يحاول إتلاف جسدها الطاهر. فها هي جحافل حزب الشر قد عبرت الحدود السورية، ليس لنصرة فلسطين، بل لإشعال حرب طائفية خاسرة، وبلغت الجرأة غير المحمودة بزعيمه أن قال إنه سيقاتل "حتى النهاية" لحماية نظام الأسد. فكان رد أحرار سورية وثوارها أن الميدان هو الفيصل "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".