أدهشت المملكة العربية السعودية العالم باعتذارها يوم الجمعة الماضي (18 أكتوبر) عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن، التي كانت قد فازت بها يوم الخميس. وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة من قرارها عدم إلقاء كلمتها السنوية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ورفض عضوية مجلس الأمن أمرٌ غير مسبوق، خاصة أن المملكة إحدى الدول المؤسسة لهيئة الأمم المتحدة، في أبريل 1945، حين شارك الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وكان وقتها وزيراً للخارجية، في مراسم التوقيع على الميثاق في سان فرانسيسكو. وكان احتفاء العالم بالمنظمة الوليدة مشوباً بالأمل بأن تُرسي نظاماً دولياً جديداً يتفادى مصير سابقتها "عصبة الأمم" التي فشلت فشلاَ ذريعاً في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

فما الذي يدفع إحدى الدول المؤسسة لهيئة الأمم المتحدة، ومن أكثر أعضائها دعماً لأعمالها الإنسانية، للاعتذار عن عدم قبول مقعد في مجلس الأمن، في حين تتطلع كل الدول إلى عضوية المجلس، أكثر مؤسسات الأمم المتحدة سلطة ونفوذاً؟

أعطى البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية خمسة أسباب، هي بإيجاز:

أولاً: إن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيامه بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين على النحو المطلوب، الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم، واتساع رقعة مظالم الشعوب، واغتصاب الحقوق، وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم.

ثانياً: فشل جميع الجهود الدولية التي بذلت في الأعوام الماضية في التوصل إلى الإصلاحات المطلوب إجراؤها لكي يستعيد مجلس الأمن دوره المنشود في خدمة قضايا الأمن والسلم في العالم.

ثالثاً: بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم خمسة وستين عاماً، نشب خلالها عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين.

رابعاً: فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل، سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية.

خامسا: السماح للنظام الحاكم في سورية بقتل شعبه على مرأى ومسمع من العالم أجمع وبدون مواجهة أي عقوبات رادعة.

وتنطلق هذه النقاط من حقيقة أن عضوية مجلس الأمن ونظام عمله هما نتاج حقبة سابقة، ولم يعودا مناسبين لعصرنا هذا. فعلى الرغم من أن موازين القوى الدولية قد تغيرت كثيراً، فإن المجلس لم يتغير منذ عام 1945، حين وضع المنتصرون في الحرب العالمية الثانية نظاماً دولياً يحمي مصالحهم، وخصصوا لأنفسهم مقاعد خمسة "دائمة" في مجلس الأمن، حصروا حق "النقض" فيها، ليضمنوا ألا تُصدر المنظمة الجديدة قراراً يتعارض مع تلك المصالح. ولكن تلك الدول الخمس لم يعد لها الوزن ذاته اليوم، اقتصادياً أو استراتيجياً. ولنأخذ مثلاً روسيا، التي حصلت على المقعد الدائم عام 1945 لأنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، الذي انهار عام 1989. أما اليوم فثمة دول قد تجاوزتها، مثل اليابان وألمانيا والهند والبرازيل وإيطاليا. ومع ذلك، فليس لأي من هذه الدول عضوية دائمة في مجلس الأمن، بخلاف روسيا.

وانطلاقاً من ذلك، حاولت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1993 إصلاح مجلس الأمن، ولكن هذه الجهود – وهي ما زالت مستمرة – لم تنجح حتى الآن. وتتركز محاولات إصلاح مجلس الأمن في أربعة محاور، على النحو التالي:

أولاً: محور العضوية، أي إضافة أعضاء، دائمين وغير دائمين، للمجلس لكي يكون أكثر تمثيلاً، جغرافياً وجيوسياسياً. ومنذ فترة تطالب ألمانيا واليابان والهند والبرازيل وإندونيسيا بالعضوية الدائمة، ولكن إضافة أعضاء جدد للمجلس تتطلب تعديل الميثاق، وهو عملية طويلة ومُضنية.

الثاني: "أسلوب وآليات العمل"، الذي يشير إليه بيان الخارجية السعودية. وخلافاً لتغيير عضوية المجلس، لا يتطلب إصلاح تلك الآليات تعديل الميثاق، بل يستطيع المجلس تعديلها لتكون أكثر شفافية ووضوحاً وإنصافاً.

الثالث: حق النقض، حيث يرى الإصلاحيون إلغاءه أو تعديله على الأقل، بحيث لا يشلّ عمل الأمم المتحدة.

الرابع: التمثيل الإقليمي، حيث يطالب الاتحاد الأوروبي بأن يكون عضواً في مجلس الأمن.

وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت خلال العقدين الماضيين، لم تنجح محاولات الإصلاح بسبب رفض الدول دائمة العضوية لها.

ويبدو توقيت القرار السعودي يوم الجمعة الماضي مدفوعاً على وجه الخصوص بعجز مجلس الأمن عن وقف الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، فعلى مدى نحو ثلاث سنوات، قتل هذا النظام أكثر من مئة ألف من شعبه، وشرّد نحو سبعة ملاييين من ديارهم، لاجئين خارج الحدود أو مشرّدين داخلها.

وعلى الرغم من أن منظمات الأمم المتحدة قد وثقت تلك الجرائم، التي شملت الإعدامات الجماعية، والتعذيب، والاغتصاب، والعقاب الجماعي، وتدمير بلدات وأحياء بأكملها، وعلى الرغم من أنها قد حدّدت أسماء المسؤولين السوريين الضالعين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إلا أن مجلس الأمن لم يحرك ساكناً لوقفها أو معاقبة مرتكبيها.

وأحد أسباب عجز مجلس الأمن آلية عمله، التي مكّنت دولة واحدة (روسيا) من إحباط جميع المحاولات لاتخاذ قرار يحقن دماء السوريين. وبدلاً من ذلك تمكنت من تمرير اتفاق، وافق عليه المجلس في 27 سبتمبر 2013، يهدف إلى القضاء على الأسلحة الكيماوية التي يملكها النظام. ولكن القرار أوحى للنظام السوري بأنه ما زال يحظى بالشرعية الدولية كشريك في تنفيذ القرار. وخفّف الضغط الدولي على النظام، حتى في حالة عدم تنفيذه هذا القرار، لأنه يتطلب العودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى قبل اتخاذ أي إجراء عقابي بحقه.

ونسي مجلس الأمن أمر محاسبة المسؤولين السوريين على الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين خلال السنوات الثلاث الماضية، بل إن قرار المجلس زاد الوضع سوءاً، وأسهم – دون قصد طبعاً – في قمع الشعب السوري وإطالة عُمر جلاديه.

ونظراً إلى أنه ليس في وُسع الأعضاء غير الدائمين في المجلس تغيير هذا الوضع، فإن وجودهم داخله يُسبغ شرعية على قرارات هي أبعد ما تكون عنها.