من يتابع القضايا الدولية الأمنية التي تتعلق بالعرب ومنطقة الشرق الأوسط عبر مجلس الأمن؛ لا يغيب عنه تحوله الفاضح إلى مجلس عقد الصفقات، عبر اجتماعاته التي لا يتحرج في الإعلان عنها بأنها سريّة، ليخرج بعدها باتفاقيات ضاربة بعرض الحائط مصالح الدول العربية في الشرق الأوسط، ومتجاهلة الكوارث الإنسانية الناتجة عن الخلل الأمني الذي يتخاذل معه قانونيا نتيجة امتلاك حق الفيتو من قبل الدول الأعضاء الدائمين، مكتفيا بالكلام، والكلام فقط!
القضية الفلسطينية التي لم تبارح مكانها منذ سنوات طويلة حجة على هذا المجلس، فبالرغم من خروج إسرائيل عن أعراف القانون الدولي في بناء المستوطنات والتوسع فيها، وتطوير أسلحتها النووية في ظل قوانين تلزم دول المنطقة بعدم امتلاك هذا السلاح؛ إلا أن التخاذل أمامها هو ما نراه في مجلس الأمن، وحين يعلو صوت فضائح إسرائيل الإنسانية في فلسطين، لا نرى سوى حق الفيتو للاعتراض من أجلها، والمؤسف أن رائحة هذه الصفقات أصبحت تفوح بعد الأزمة السورية، فروسيا لامتلاكها حق الفيتو حولت القضايا الإنسانية إلى صفقات سياسية لصالح حليفتها إيران ومصالحها معها وبرنامجها النووي، وتتم المتاجرة بها بشكل سافر، والحماس المنقطع النظير لإنهاء الكيماوي السوري بعد مجزرة النظام البشعة في حق السوريين المدنيين يبدو ليس إلا لصالح إسرائيل التي تخشى استعماله ضدها، وإلا هل هناك فرق بين قتل السوريين بالكيماوي وبين قتلهم بالقنابل والدبابات والأسلحة! أعداد النازحين الذين قاربوا ثلث الشعب السوري خير دليل، ومع ذلك تحمس المجلس للقضاء على الكيماوي وتسامح مع النظام السوري، متجاهلا استمراره بقتل المدنيين في أبشع الجرائم الإنسانية، ليظهر كل ذلك المواقف المزدوجة المعايير والمتناقضة، سافرة عن وجه صفقات لمصالح الدول التي تمتلك حق الفيتو، لا من أجل تحقيق الأمن الدولي! فلماذا على الدول العربية فقط أن تلتزم بالمواثيق الدولية والقوانين فيما غيرها يتم التخاذل معه؟ لماذا يستمر العرب ضحية مجلس الأمن ولا يجدون إلا الكلام؟ ولماذا حين يخطئ العرب تتكالب الجهود العسكرية الدولية ضدهم دون غيرهم؟! والعراق خير مثال، وكانت مصر في الطريق بعد إسقاط الشعب المصري نظام الإخوان، لولا موقف السعودية الواضح الداعم للأمن المصري ضد الإرهاب!
بعد كل هذه المواقف المتناقضة على طاولة مجلس الأمن فهو يحتاج فعلا إلى إصلاح، باستحداث قوانين تلزم الدول الدائمة العضوية بما يقنن استخدامها حق الفيتو الذي تحول في يدها إلى وسيلة لعقد الصفقات الخاصة بمصالحها السياسية على حساب القضايا الإنسانية والأمنية في المنطقة، ولذا كان موقف السعودية صادقا وصائبا حين اعتذرت عن الانضمام إلى مجلس الأمن بعد فوزها بانتخابها من قبل ما يتجاوز 170 دولة خلال ساعات قليلة، مما يُظهر بوضوح ثقلها السياسي القوي على النطاق الدولي، كما يظهر سياستها الواضحة تجاه القضايا الإنسانية والأمنية التي لا تُزايد عليها، فإما أن يصلح مجلس الأمن أمره وإلا فلندير ظهورنا ونلجأ إلى خيارات أخرى تخدم مصالحنا وتحمي سيادتنا، وهو حقنا في ظل نوع كهذا من الصفقات المريبة.