حقيقة لا أفهم مقولة: أن فوز الكندية "أليس مونرو" بجائزة نوبل للآداب هذا العام، انتصار للقصة، لم أستوعب أن يردد البعض مقولات، تحيل بالضرورة إلى ساحات المنافسة الرياضية، فيما يتعلق بمفاهيم الفوز والخسارة، والتراجع والتقدم، وما إلى ذلك.

في العام 1995، نال الإيرلندي "شيمس هيني" المتوفى في أغسطس الماضي، أحد كبار الشعراء في العالم باللغة الإنكليزية جائزة نوبل للآداب تكريماً "للجمال الشعري والعمق الوجداني في أعماله"، بعد فترة من سيطرة الرواية على الجائزة الأدبية الأكبر في الدنيا، ورددت الساحة المحلية على ألسنة البعض المقولات ذاتها، عن عودة الشعر وانتصاره، في الوقت الذي ذهب فيه النابهون من عقلاء الساحة، بأن الأمر ليس كما هو في التصور العام عند بعض الكُتَّاب والأدباء، الذي ماهو في جوهره إلا تكريس لمفاهيم الذهنية الاستحواذية والتفكير الأحادي، المعادي للتنوع والاختلاف.

فالفنون الكتابية الإبداعية معطى إنساني فسيح، يسع كل الأشكال التعبيرية والأدوات والاتجاهات الفنية، بل إن الإبداع يمثل – في تصوري- أرقى معايير وملامح تنوع الحياة، وجماليات تعدد المسارات فيها، وتكتمل هذه الجماليات، حينما تتقاطع هذه الفنون معاً؛ لتمنح السماء زرقة أخرى، وتهب الشمس سطوعاً مختلفاً، على نحو ما يحدث في فن المسرح، "أبو الفنون" الذي اكتسب هذا التوصيف لما يتيحه من فضاءات خلاقة، تحضر فيها كل فنون القول، متماهية مع الموسيقى، والفنون البصرية الأخرى بكل تشكلاتها.

لا أستوعب كيف يمكن لفن أن يطغى، أو يلغي فناً آخر؟!، هذا مستحيل وضد طبيعة الأشياء، الفنون تتجاور وتتآزر، تعطي وتأخذ، تتبادل التقنيات والشحنات، ومن هنا تنمو وتنبع الجدوال والراوفد في نهر فيَّاض، اسمه الإبداع.

السؤال الأهم الذي كنت آمل -لا أزال- طرحه هو: لماذا تراجعت حركة الترجمة والمتابعة محلياً، على نحو ما كانت عليه إلى ما قبل الألفية الثالثة، وهي الحقبة التي شهدت صعوداً مرعباً لتناول ماهو سطحي استهلاكي، على صعيد الترجمة، وأشياء أخرى؟

جامعاتنا تعج بعشرات الدَّراسين للآداب واللغات الأجنبية، لكن لست أدري لماذا يبدو حضورهم في المشهد المحلي ضيئلاً هكذا، وانصراف معظمهم عن تخصصهم الرئيس إلى ما لاطائل منه، وزهدهم في الترجمة والمتابعة لنبض الآداب الأجنبية، خاصة في الشق الأقرب والأكثر انتشاراً، وهو ما ينشر باللغة الإنجليزية!

أسئلة..

ليت إحدى المؤسسات الثقافية تبادر إلى مناقشة الوضع، وإطلاق أسئلة حيوية، حول واقع متابعتنا للإبداع العالمي، ومحاولة قياس حجم الهوة التي باعدت بيننا وبين ما هو مشع.