لا يكاد حاج من حجاج بيت الله الحرام حج في الأعوام الماضية، ومنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ عليه بأداء نسك حج هذا العام إلا وقد لمس الفوارق الإيجابية الكبيرة بين هذا الموسم وما قبله من مواسم..لا شك ولا ريب أن الفضل الكبير يعود إلى توفيق الله ـ جل وعلا ـ للقائمين على تسيير أمور الحج وتيسيره على الناس، والذي ظهر بشكل جلي من خلال ضبط أعداد حجاج الخارج والداخل بما يتوافق مع المتاح في الوقت الحالي ـ إجمالي عدد الحجاج لهذا العام مقارنة بإجمالي حجاج العام الماضي سجل انخفاضًا بنسبة 37.4%، بطبيعة حالنا لم ولن نسمع مسؤولا في هذه البلاد التي شرفها الله بخدمة الحرمين يقول إننا وصلنا إلى المنتهى في الطموحات والتطلعات المتعلقة بتنظيم موسم الحج، لأن القفزات التطويرية مستمرة، وإمكانية إخراج الحج بصـورة أفضل أمر غير مستحيل.
تخيلوا معي الحج بمسارات وطرق خاصة ومحددة للوفود الرسمية، تخيلوا معي الحج وقد (رشد) مستخدمو سيارات الأمن من استعمال منبهاتها وونّاناتها ـ الحج طمأنينة، وراحة، وسكينة؛ الحج عبادة وسلوك حضاري، تخيلوا معي الحج وقد تم تكثيف تدريب وتأهيل رجال الأمن على الحج ومعضلات عدم نجاحه ـ قريبًا سنشهد قوات خاصة بأمن الحج والعمرة، والأمل فيها كبير، تخيلوا معي الحج وقد قللت الإدارات المشرفة على الحج من أعداد المشاركين في الموسم، فبعض الأعداد حجت دون أن يكون لها أي دور عملي متعلق بالحاج، ومؤكد جدا أنه لم يتم حسابهم ضمن العدد الإجمالي العام؛ ـ مشعر منى لا يستوعب أكثر من 1.400.000 حاج، بينما بلغ العدد الرسمي لحجاج هذا العام 1.980.249 حاجا، تخيلوا معي الحج وقد تم استلام جميع المشاريع الحيوية في المشاعر كأماكن الوضوء والخلاء حسب المواصفات الفنية المتفق عليها، تخيلوا معي الحج وقد تم القضاء فيه على ظاهرة الافتراش هذه النقطة القاتمة والمؤرقة في الحج.. تخيلوا معي الحج وقد تمت السيطرة فيه على أسعار الراغبين في أداء الحج.. تخيلوا معي الحج وقد خلت عرفة ومزدلفة ـ كما خلت أغلب منى ـ من وجود الإدارات الحكومية فيهما، وما تسببه من حجز لمناطق الحاج أولى بها.. تخيلوا معي الحج وقد انتشرت فيه حاويات (تحت الأرض) لجمع النفايات وتصريفها فورا.. تخيلوا معي الحج وقد ضبطت فيه أمور التفويج من وإلى قطار المشاعر.. تخيلوا معي وقد تم تشغيل مستشفيات مشاعر الحج للمعتمرين ـ بعضها يعمل 36 ساعة فقط؛ رغم أن فيها كل تفاصيل وتجهيزات العمل الطبي غير المؤقت ـ .. وأخيرا وليس آخرا تخيلوا معي إقامة مدن مستقلة متكاملة في مكة المكرمة والمدينة المنورة خاصة بالحجاج والمعتمرين تضم كل ما يحتاجون إليه، ولها طرقها الميسرة للوصول إلى الحرمين.
ما يريحني جدا أن هذه التخيلات المستعجلة ليست صعبة المنال، وأن هناك استراتيجية شاملة وجه بوضعها قائد هذه البلاد المباركة ـ حفظه الله ورعاه ـ لتحقيق أهداف وزارة الحج على مدى ربع قرن قادم، وما يريحني أكثر أن المسؤولين في لجنة الحج المركزية، وفي لجنة الحج العليا صادقون في تشخيص مشكلات الحج، وهذا هو طريق الوصول إلى حج أفضل قادم بحول الله، وكل عام والأمة بخير.