تعد ظاهرة التسول في السعودية من السمات غير الحضارية التي يبدو أن من الصعب التخلص منها بغير تعاون الجهات الرسمية والمواطنين، وخاصة أولئك الباحثين عن الأجر الأخروي، وغير العابئين بمختلف المضار الأمنية والاجتماعية التي تجرها عادة هذه الطريقة في طلب اكتساب الأجر.

أطفال صغار، لا يتجاوز عمر أكبرهم السنوات العشر، يتحركون بين إشارات المرور متنقلين من مركبة إلى أخرى عارضين بيع المياه والساعات التقليد بأرخص الأسعار، تجدهم بعيونهم التي تذرف الدموع ووجوههم المتعبة وملابسهم الرثة على إشارات المرور ومحطات الوقود والصرافات الآلية والمجمعات التجارية في مختلف مناطق المملكة، وعندما تمعن النظر في وجوههم وتراقب تحركاتهم ستجد أنهم يمثلون شبكة منظمة ومدروسة، خاصة أن هناك بعض الدراسات المحلية تكشف عن وجود عصابات دولية "مافيا" تمارس النصب والاحتيال تخطف الأطفال حديثي الولادة وتأتي بهم من بلدان مجاورة بقصد التسوّل ويستخدمونهم وسيلة لاستعطاف الناس، وهذا ما نشاهده كثيراً عند إشارات المرور والأماكن العامة من خلال نساء يحملن أطفالاً رضّعا وحديثي ولادة.

إنني أتساءل: لماذا هذا التثاقل من قبل مكاتب مكافحة التسول في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة؟ إن كانت الدراسات الحديثة تكشف أن ظاهرة التسول في السعودية تشهد تصاعدا مستمرا خلال السنوات الأخيرة بسبب تزايد المتسللين عبر الحدود، والتخلف بعد أداء الحج والعمرة؛ فأين المعالجة الجدية لهذه المشكلة التي هي من صميم عمل وزارة الشؤون الاجتماعية؟

استمرار جماعات التسول بنفس الوتيرة الحالية سيشكل مع الوقت مشكلة اجتماعية وأمنية كبيرة يجب التعامل معها بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها وزارة العمل والجوازات مع العمالة الوافدة غير النظامية.

من الأهمية بمكان أن تتعاون وزارة الداخلية بمؤسسـاتها الأمنية مع الشؤون الاجتماعية للقضـاء على هـذه الظاهرة التي تسبب إسـاءة لسمعة البلد.

بالنسبة للمواطنين السعوديين، فإن كان المتسول غير قادر على العمل، فيجب أن تتولاه الشؤون الاجتماعية من خلال الضمان الاجتماعي، أما القادرون على كسب عيشهم ولا يجدون عملاً، فالواجب توفير العمل المناسب لهم بدلاً من تركهم يتسولون في الأماكن العامة...، وإن كانوا "أجانب" غير سعوديين وهم الأغلبية كما نلاحظ يتم تسفيرهم مع وضعهم في القائمة السوداء في حال عودتهم وتكرارهم ممارسة التسول.

المؤسسات الحقوقية في المملكة مسؤولة عن إعداد لجان تضم أعضاء من هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لمتابعة ومراقبة أعمال مكاتب وإدارات مكافحة التسول بمختلف مناطق المملكة وإعداد تقارير دورية عن تشغيل الأطفال واستغلالهم في التسول باعتباره نوعاً من المتاجرة بالبشر، التي تعد انتهاكاً صارخا لحقوق الطفل، وإهانة لإنسانية الإنسان.

وزارة العمل تتحمل هي الأخرى جزءاً من المسؤولية في بعض جوانب هذه الظاهرة خاصة مع بعض المتسولين الوافدين، فبعضهم يسجل في إقامته عبارة أنه "غير مصرح له بالعمل"، وعندما تمنحه إقامة وتقول له: أنت غير مصرح لك بالعمل، فكيف يعيش؟ ومع ذلك يبقى المسؤول الأول الذي يقوم بالتنظيم والتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية هي وزارة الشؤون الاجتماعية.

أخيرا أقول: رسائل sms الرائعة التي تأتيني من الجوازات "عزيزي المواطن عزيزي المقيم إن فرق الجوازات تقوم بواجب وطني وتعاونك معها دليل وعيك" أو "أخي المقيم التزامك بنظام الإقامة دليل وعيك".. أتمنى أن أقرأ قريبا: "عزيزي المواطن والمقيم إن إبلاغك عن جماعات التسول دليل وعيك باتصالك على الخط الساخن (....)!