تمر الأعياد بعد الأعياد وتزداد، ونزيف الدم العربي يهدر ويعاد هدره، بسخاء يزداد.. كل ما هدأ وطيس حفلة نزف دم عربي هنا أو هناك، تفجرت حوله حفلات نزف دم أكبر وأعتى، وبسخاء عربي لا يضاهيه حتى كرم حاتمنا الطائي. فأصبح حاتم بالنسبة لنا، في سفك الدم الحيواني، أبخل من أبخلنا. حاتم يسفك دم إبله وخرافه وخيوله، من أجل إطعام العرب الكرام وغيرهم من الكرام. أما العرب الآن فتسفك الدم العربي، وبكل سخاء وكرم عربي لا يطاق، من أجل إرضاء الغرباء من الأعداء اللئام.

ونحن من يدعو الغرباء القساة غلاظ الكبود على وليمة الذبح الجماعي العربي؛ فيجاروننا في الكرم، بإرسال ما حد من سكاكين الذبح وما تيسر من سواطير التقطيع. أصبحنا ندعو بعض خاصة من نحب، ليذهب معنا لأي مجزرة سفك دم عربي، ليشاركنا في شرف نزف الدم وسفكه ويكبر، الله أكبر الله أكبر. الله أكبر علينا، كم اختزلنا الكرم العربي بذبح الإنسان العربي؛ لإكرام هادم كرامتنا، المتربص بنا وسارق أرواحنا وثرواتنا ومقدساتنا.. الغريب!!

الدم الإنساني بشكل عام، والدم العربي بشكل خاص، عندما يستباح ويراق على الأرض عدواناً وفجوراً، يتحول إلى أقوى قوة جاذبية في الأرض، يجذب إليه كل دم يجري في عروق منهم من حوله، أو حتى من هم أبعد من حوله. احقنوا الدم العربي أيها العرب قبل أن يزحف عليكم غاضباً مزمجراً، حينها لن يبقي ولا يذر. ليس هنالك دم مقدس ودم غير مقدس؛ ولكن يتحول الدم إلى مقدس، عندما يسفك على الأرض فجوراً وعدوانا. الدم المظلوم يزحف ليقتص ممن ظلمه، من تحت الأرض ومن فوق الغيوم.

أصبحت أرواح العرب بالنسبة لبعض أو كثير من العرب، قربانا يسفك على مذابح معابد الأعداء، للتقرب منهم وطلب حمايتهم ورحمتهم. ولكن الدم العربي المسفوك ظلماً وعدواناً، عندما يقتص لنفسه، لن توقفه عن فعله لا أسوار الحماة من الطغاة المشيدة، ولا حراسات النمور المشددة. الإنسان وهو حي، له فم؛ ولكن عندما يسفك منه الدم بظلم؛ يصبح له ألف فم وفم، يقض مضجع من سفكه ويطارده ويرميه من غم لغم، حتى ينال منه بسفك الدم. لا يحسبن أحد أنه في مأمن من أن يقتص منه الدم المسفوح عدواناً وفجوراً، حتى من سكتوا عن ظلمه ثم سفك دمه؛ ناهيك عمن قبل وعمن دعم بالمال والسلاح، وعمن أيد وأزبد وأرعد وعربد.

متى استبيح سفك الدم العربي، وأصبح بضاعة بخسة، لمن ليست لديه بضاعة، يهديها أو يقدمها مجاناً، لأعداء العرب والعروبة، بشكل خاص والإنسانية بشكل عام؟ تم ذلك عندما استبيحت أول قطرة دم عربية، وتم السكوت والتغاضي عن ذلك من قبل العرب. ليس هنالك أقدس من دم الإنسان، وعندما يسفك فليس بالمستغرب بأن تسفك كل كرامات وتنتهك باقي مقدسات كل من تغاضى عن انتهاك حرمة دمه، لأول مرة. هكذا يصبح الشيء رخيصا، عندما لا يحاسب أحد على إتلافه؛ والدم عندما لا يحاسب على سفكه وإراقته أحد، ولذلك أصبح رخيصا كبقية الأشياء الرخيصة، والتي تنسحب على جميع مقدساته، والتي تأتي تباعاً في الأهمية أو عدم الأهمية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطبته الإنسانية، على صعيد عرفة: ".. إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا... وإن قطرة دم امرئ منكم، لهي خير عند الله من الكعبة". نحن لم نلتزم بوصية رسولنا العربي الكريم، صلى الله عليه وسلم، فأوغلنا ذبحا وسفكا في دمائنا ونهبا لأموالنا وهتكا لأعراضنا، فهان أمرنا على أنفسنا وعليه هان على أعدائنا؛ فأصبحت دماؤنا وأموالنا وأعراضنا تقدم قرابين مجانية، لإرضاء أعداء أمتنا العربية والإسلامية.

الأمم المتحدة هي من تحدد من يجوز سفك دمه ومن لا يجوز سفك دمه. والجامعة العربية، هي تحدد فقط من يجوز سفك دمه، وليست لديها القدرة على تحديد من لا يجوز سفك دمه. ليس هذا فحسب، فالجامعة العربية، أصبحت هي من تطلب وتتوسل للأعداء سفك الدم العربي، لكونها لا تستطيع ذلك، وليس فيها من يحتج أو يمنع ذلك. أي أصبحت مذبحة القرابين العربية، لأعداء الأمة العربية.

فكما أنه ليس هنالك دم مقدس ودم مدنس، كذلك فليس هنالك دم محرم ودم مباح، أي ليس هنالك دماء نسفكها أو نساعد على سفكها، أو نصمت على سفكها؛ ونحسب بأن دماءنا ودماء عائلاتنا، وأحبابنا ستكون معصومة من السفك، أو تكون بمنأى عن السفك. إذا استبيح الدم العربي والإسلامي فلن ينجو منه دم، أو يحقن منه دم. الدم كما ذكرت أعلاه يزحف ويزمجر ولا يبقي ولا يزر. ولو سألنا دما قد سفك، متى سفكت؟ لأجابنا بأنه قد سفك، من أول يوم سفكت فيه قطرة دم بظلم، ساهم في سفكها، أو لم يمنع سفكها، أو حتى سكت عن سفكها.

صمتنا على ذبح إخواننا في فلسطين، ولم نمنع ذلك، علنا ننجو من الذبح أنفسنا، فأصبح سفك دمنا أهون على العالم بجميع منظماته الإنسانية وغير الإنسانية السياسية وغير السياسية، من دم البعوض. وعندما أصبح دمنا أهون من دم البعوض أوغلنا سفكاً وولغاً فيه. كل شيء من الممكن النفاق والخداع فيه، ما عدا سفك الدم البريء. عندما بدأنا ننوح على سفك دم منا، ونفرح على سفك دم منا كذلك، ولكن من الذين لا نحب أو نتمنى سفك دمه؛ هنا نافقنا في سفك الدم، والدم نفسه لا ينافق أحدا عندما يسفك، فهو يجري ليجرف بقية الدماء، التي نحبها والتي لا نحبها.

تتغير أشكال الإنسان وألوانه؛ ما عدا تماثل ولون دمه، فهو دم واحد؛ أي لا لون أو طائفة أو دين أو بلد أو عرق له يمكن التمييز فيه بين دم ودم. نزف الدم في الصومال ودارفور فلم يحتج أحد أو يحاول إيقافه. فزحف الدم من هناك للجزائر وليبيا، واليمن والعراق وسورية. ويا ترى أين سيقف؟ لا أعتقد بأنه سيقف ما دمنا نحن من يريق هذه الدماء، أو يساعد في إراقتها، أو يسكت عن إراقتها.

قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، هي خير دليل على قداسة الدم البشري، والذي لا يمكن أن يكون قرباناً حتى لخالقه، ناهيك بأن يكون قرباناً لأعداء خالقه. الله أكبر علينا، كنا نشارك في ذبح بعضنا، بالخفاء والستر، فأصبحنا الآن نذبح بعضنا ونشارك في ذبح بعضنا ونحن نكبر ونزمجر ونعلن ونفتخر بذلك. اللهم احفظ دماءنا، كما حفظت دم والدنا إسماعيل، برحمتك وعطفك، يا أرحم الراحمين. اللهم لا تزرنا لأنفسنا فقد ظلمنا أنفسنا، وامنح بعفوك وعطفك ورحمتك الصيانة لدماء أطفالنا وأطفال أطفالنا، إنك خير الراحمين.