- 1 -
من الذي أتاح لبعضهم الوقوف على هذه المنابر السياسية وإصدار الفتاوى التي يتم قذفها في أفواه المتعطشين إلى الدماء من العاطلين، والمشردين والجهلة، وأصحاب تذاكر دخول الجنة، الذين تركوا مقاعد الدراسة ومحاريث الحقول، وآلات المصانع، ومكاتب العمل، واشتروا تذاكر مزيفة لدخول الجنة على غرار صكوك الغفران المزيفة التي كانت تبيعها "الكنيسة" في القرون الوسطى، لمثل هؤلاء من المغفلين، والجهلة، وفاقدي الأمل في الحياة؟
لا شك أن الفراغ السياسي العربي، وهُزال السياسة العربية، وفشل الأحزاب السياسية، وفراغ الخطاب السياسي العربي، وانهيار معظم المؤسسات السياسية العربية وانحطاطها، وعدم وجود شارع عربي واعٍ، وعدم وجود رأي عام فعال وقادر على التغيير، وعدم احترام العقل العربي – إن وُجد - وعدم الاحتكام له، وأن العالم العربي تحكمه الغرائز لا العقول؛ هو الذي أمكن للبعض من أن يقف على المنابر السياسية في شرق العالم العربي وغربه، لكي يقود العمل السياسي العربي، الذي أصبح في ناحية من نواحيه، وفي جانب من جوانبه، عبارة عن دعوة إلى سفك الدماء، والمزيد المزيد من سفك الدماء.
وهو دليل واضح، على أننا أصبحنا أمة مفلسة سياسياًّ، نتوارث الإفلاس السياسي أباً عن جد، ونورّثه لأبنائنا من بعدنا أحزاباً، وكتلاً سياسية، وشعوباً. ولا بُدَّ لنا من بنك سياسي دولي، لكي يمد لنا يد المساعدة، وينقذنا من هذا الإفلاس. وهذا ما حصل في عدة بلدان عربية، فلولا البنك الدولي السياسي، لكانت هذه البلدان في خبر كان، أكثر مما هي فيه الآن. ولقضي الأمر الذي كان له يحسبون.
-2-
ما العمل؟
معظم الأنظمة العربية، غير قادرة على لجم هؤلاء، ومنعهم من ممارسة عملهم، لأن جزءاً من عملهم يصدر لصالح بعض هذه الأنظمة، ولتقوية نفوذها. الأحزاب السياسية العربية، غير قادرة على الائتلاف فيما بينها لسيطرة العصبية القومية على هذا الأحزاب.
الشارع العربي، شارع مُغيّب، وجائع، وجاهل، ومنهك، وفاقد الأمل في القوى السياسية العربية، ويرى في هؤلاء من "أصحاب المنابر" مبتغاه الوحيد، لكي يُنفّس عن حقده، وتظلمه، وجوعه، وإهماله، وسرقته، من قبل بعض أنظمة الحكم.
النخب العربية الفكرية والسياسية التي تعيش في العالم العربي، لا تستطيع مواجهة "هؤلاء"، خوفاً من تسلطهم، حيث يملك بعض "هؤلاء" ميليشيات دموية مسلحة، قادرة على جزِّ رأس أي مفكر أو سياسي يعارضهم. ولعل مقتل المفكرين اللبنانيين: حسين مروة، ومهدي عامل، والمفكر المصري فرج فودة، ومحاولة قتل نحيب محفوظ، واختطاف الصحفي المصري رضا هلال، وغير ذلك من الحوادث خير دليل. ومعظم الأصوات التي تعارض "هؤلاء"، وتهاجمهم هي أصوات عربية تعيش في الغرب، بعيداً عن بطش "هؤلاء" بمعارضيهم.
-3-
إذن، ما العمل؟
من بين الحلول:
أن تجتمع مجموعة من المفكرين العرب الطليعيين، الحاملين أرواحهم على أكفهم، وتكتب بياناً أممياً إنسانياًّ متقدماً، بلغة القرن الحادي والعشرين، وبفكر القرن الحادي والعشرين، وبعقل القرن الحادي والعشرين، وتتقدم به إلى "منظمة الأمم المتحدة"، وتطلب من مجلس الأمن مناقشته وإصدار قرار بشأنه، يخوّل الأمم المتحدة بإقامة محكمة يطلق عليها "محكمة الإرهاب" يُساق إليها كل من ينادي بالإرهاب، ويُصدر فتوى تشجّع، وتدعو إلى الإرهاب، ويمارس الإرهاب، بعدما أصبح الإرهاب مشكلة عالمية ودولية، وليست خاصة بالعرب فقط.
-4-
وسوف يقول بعضهم - كما قال البعض في الأمس – من أن هذا تدويل للقضايا العربية، وأن مشاكل العرب يجب أن تحلَّ داخل الوطن العربي، ومن قبل العرب - لم يتم حل أية مشكلة عربية من داخل العالم العربي منذ حركات الاستقلال حتى الآن - وسيقفز طائر الجامعة العربية، متنقلاً بين العواصم العربية - كالمعتاد - ويردد الأسطوانة المشروخة (الشرعية العربية) وموال (الثوابت العربية).
وستمتلئ المنابر العربية بالهتافات، والأناشيد السياسية. وسيعتلي هذه المنابر الخطباء، والحكماء.
وسيقوم كل هؤلاء بالتنديد بالاستعمار، وقواته، وتاريخه. وستمتلئ برامج الفضائيات التلفزيونية العربية بالمحللين السياسيين، والصحفيين والكتاب والفنانات اللائي يثرثرن في السياسة ثرثرة مصاطب المساء. وستقوم دنيا العرب ولن تقعد.
فليكن!
فمتى قامت دنيا العرب، وقعدت؟!